﴿ الذين يُلْحِدُونَ ﴾ [ فصلت : ٤٠ ] والملحدُ : الماثل عن الدِّين.
قال ابن عباس : حرزاً.
وقال الحسن : مدخلاً.
وقال مجاهد : ملجأ.
وقيل : ولن تجد من دونه ملتحداً في البيان والإرشاد.
قوله :﴿ واصبر نَفْسَكَ ﴾ أي : احبسها وثبتها قال أبو ذؤيب :[ الكامل ]

٣٥٠٧ب- فَصَبرْتُ نَفْساً عِنْدَ ذلِكَ حُرَّة تَرْسُو إذَا نَفْسُ الجَبانِ تَطلَّعُ
وقوله :« بالغَداةِ » تقدَّم الكلام عليها في الأنعام.

فصل في نزول الآية


نزلت في عيينة بن حصن الفزاريِّ، أتى النَّبي ﷺ قبل أن يسلم، وعنده جماعةٌ من الفقراءِ فيهم سلمان، وعليه شملةٌ قد عرق فيها، وبيده خوصةٌ يشقها، ثم ينسجها؛ فقال عيينة للنبي ﷺ : أما يؤذيكَ ريحُ هؤلاء؟ ونحن سادات مضر وأشرافها فإن أسلمنا، أسلم الناس، وما يمنعنا من اتِّباعِكَ إلاَّ هؤلاء، حتى نتبعك، واجعل لنا مجلساً، ولهم مجلساً، فأنزل الله تعالى :﴿ واصبر نَفْسَكَ ﴾، أي : احبسْ يا محمد نفسك ﴿ مَعَ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُم بالغداة والعشي ﴾ طرفي النَّهار، ﴿ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ﴾ أي : يريدون الله، لا يريدون به عرضاً من الدنيا.
وقال قتادة : نزلت في أصحاب الصُّفة، وكانوا سبعمائة رجلٍ فقراء في مسجد رسول الله ﷺ لا يرجعون إلى تجارة، ولا إلى زرع، يصلُّون صلاة، وينتظرون أخرى، فلما نزلت هذه الآية، قال النبيُّ ﷺ :« الحمد لله الذي جعل في أمَّتي من أمرتُ أن أصبر نفسي معهم ». وهذه القصة منقطعة عما قبلها، وكلامٌ مفيدٌ مستقلٌّ، وتقدم نظير هذه الآية في سورة الأنعام، وهو قوله تعالى :﴿ وَلاَ تَطْرُدِ الذين يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بالغداة والعشي ﴾ [ الأنعام : ٥٢ ] ففي تلك الآية نهى الرسول - عليه السلام - عن طردهم، وفي هذه الآية أمرهُ بمجالستهم والمصابرة معهم.

فصل في قراءات الآية


قرأ ابن عامر بالغداة والعشيّ، بضمِّ الغين، والباقون بالغَداة، وهما لغتان، فقيل : المراد كونهم مواظبين على هذا العمل في كلِّ الأوقاتِ كقول القائل : ليس لفلانٍ عمل بالغداة والعشيِّ إلاَّ شتم الناس، وقيل : المراد صلاة الفجر والعصر.
وقيل : المراد الغداة هي الوقت الذي ينتقل الإنسان فيه من النَّوم إلى اليقظة، ومن اليقظة إلى النَّوم.
قوله :﴿ وَلاَ تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : أن مفعوله محذوف، تقديره : ولا تعد عيناك النظر.
والثاني : أ، ه ضمِّن معنى ما يتعدَّى ب « عَنْ » قال الزمخشريُّ :« يقال : عدَّاه، أي : جاوزه فإنما عدِّي ب » عَنْ « لتضمين » عَدا « معنى نبا وعلا في قولك : نَبتْ عنه عينه، وعلتْ عنه عينه، إذا اقتحمته، ولم تعلق به، فإن قيل : أي غرضٍ في هذا التضمين؟ وهلاَّ قيل : ولا تعدهم عيناك، أو : ولا تعل عيناك عنهم؟ فالجواب : الغرض منه إعطاءُ مجموع معنيين، وذلك أقوى من إعطاء معنى [ فذٍّ ] ألا ترى كيف رجع المعنى إلى قولك : ولا تقتحمهم عيناك متجاوزتين إلى غيرهم، ونحوه


الصفحة التالية
Icon