٣٥١١أ- فَكَأنَّهُ لَهِقُ السَّراة كأنَّهُ مَا حَاجِبَيْهِ مُعيَّنٌ بِسوَادِ
فقال :« مُعيَّنٌ » مراعاة للهاء في « كَأنَّه » وكان الفصيحُ أن يقول :« مُعيَّنانِ » مراعاة لحاجبيه الذي هو البدل.

فصل


﴿ تُرِيدُ زِينَةَ الحياة الدنيا ﴾، أي تطلب مجالسة الأغنياء، والأشراف، وصحبة أهل الدنيا، ولما جاء أمره بمجالسة الفقراء من المسلمين، نهاه عن الالتفات إلى قول الأغنياء والمتكبرين، فقال :﴿ وَلاَ تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا ﴾ يعني عيينة بن حصين، وقيل : أميَّة بن خلف، ﴿ واتبع هَوَاهُ ﴾ في طلب الشَّهوات ﴿ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطاً ﴾ قال قتادة ومجاهد : ضياعاً.
وقيل : ندماً، وقال مقاتلٌ : سرفاً.
وقال الفراء : متروكاً.
وقيل : باطلاً.
وقال الأخفش : مجاوزاً للحدِّ.
قوله :« أغْفَلنَا قَلبَهُ » العامة على إسناد الفعل ل « ن » و « قلبهُ » مفعول به.
وقرأ عمرو بن عبيد، وعمرو بن فائد، وموسى الأسواري بفتح اللام، ورفع « قَلبهُ » أسندوا الإغفال إلى القلب، وفيه أوجهٌ، قال ابن جنِّي : من ظنَّنا غافلين عنه. وقال الزمخشريُّ :« من حَسِبنَا قلبُه غافلينَ، من أغفلته، إذا وجدته غافلاً ». وقال أبو البقاء : فيه وجهان :
أحدهما : وجدها قلبه معرضين عنه.
والثاني : أهمل أمرنا عن تذكُّرنا.
قوله :« فرطاً » يحتمل أن يكون وصفاً على « فعل » كقولهم :« فَرسٌ فرط »، أي : متقدِّمٌ على الخيل، وكذلك هذا، أي : متقدِّماً للحقِّ، وأن يكون مصدراً بمعنى التفريط، أو الإفراط، قال ابن عطيَّة : الفرط : يحتمل أن يكون بمعنى التفريط والتَّضييع، أي : أمرهُ الذي يجب أن يلزم، ويحتمل أن يكون بمعنى الإفراط والإسراف.
قال الليث : الفرط : الأمرُ الذي يفرط فيه، يقال : كلُّ أمر فلانٍ فرطٌ، وأنشد :[ الهزج ]
٣٥١١ب- لَقدْ كَلَّفْتنِي شَطَطَا وأمْراً خائباً فُرُطا

فصل


دلَّت هذه الآية على أنذَه تعالى هو الذي يخلق الجهل والغفلة في قلوب الجهَّال.
قالت المعتزلة : المراد بقوله :﴿ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا ﴾ : وجدنا قلبه غافلاً، وليس المراد منه : خلق الغفلة.
ويدلُّ عليه ما روي عن عمرو بن معدي كرب الزبيديِّ أنَّه قال لبني سليم :« قَاتَلنَاكُمْ فَما أجَبْنَاكُمْ، وسَألناكُمْ فَما أبْخَلْناكُمْ، وهَجرْنَاكُمْ فمَا أفْحَمناكُمْ » أي ما وجدناكم جبناء، ولا بخلاء، ولا مفحمين.
وحمل اللفظ على هذا المعنى أولى؛ لوجوه :
الأول : لو كان كذلك، لما استحقُّوا الذمَّ.
الثاني : أنه قال بعد هذه الآية ﴿ فَمَن شَآءَ فَلْيُؤْمِن وَمَن شَآءَ فَلْيَكْفُرْ ﴾ ولو كان تعالى خلق الغفلة في قلبه، لما صحَّ ذلك.


الصفحة التالية
Icon