﴿ نَسْتَعِينُ ﴾ [ الفاتحة : ٢ ] وهذا الكلام من المشاكلة والتَّجانس، وإلاَّ فأيُّ إغاثةٍ لهم في ذلك؟ أو من باب التهكُّم؛ كقوله :[ الوافر ]

٣٥١٥-............... تَحِيَّةُ بينهم ضَرْبٌ وجيعُ
وهو كثيرٌ.
وقوله :« كالمُهْل » صفة ل « ماء » والمهلُ : دُرْدِيُّ الزيت، وقيل : ما أذيب من الجواهر كالنحاس والرصاص والذهب والفضة.
وعن ابن مسعود أنَّه دخل بيت المال، وأخرج ذهباً وفضة كانت فيه، وأوقد عليها، حتَّى تلألأتْ، وقال : هذا هو المهل.
وقيل : هو الصَّديد والقيح.
وقيل : ضرب من القطران، والمَهَل بفتحتين : التُّؤدَةُ والوَقارُ، قال :﴿ فَمَهِّلِ الكافرين ﴾ [ الطارق : ١٧ ].
قوله :« يَشوي الوجوه » يجوز أن تكون الجملة صفة ثانية، وأن تكون حالاً من « ماء » لأنه تخصَّص [ بالوصف ]، ويجوز أن تكون حالاً من الجارِّ، وهو الكاف.
والشَّيءُ : الإنضاجُ بالنار من غير مرقةٍ، تكون مع ذلك الشيء المشويِّ.

فصل


روى أبو سعيد الخدري عن النبي ﷺ قال :« بِماءِ كالمُهْلِ » قال : كعكر الزَّيت، فإذا قرِّب إليه، سقطت فروة وجهه فيه.
وسئل ابن مسعود عن المهل، فدعا بذهب وفضة، فأوقد عليهما النَّار، حتَّى ذابا، ثم قال : هذا أشبه شيءٍ بالمهل.
قيل : إذا طلبوا ماء للشُّرب، فيعطون هذا المهل.
قال تعالى :﴿ تصلى نَاراً حَامِيَةً تسقى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ ﴾ [ الغاشية : ٤، ٥ ].
وقيل : إنَّهم يستغيثون من حرِّ جهنَّم، فيطلبون ما ء يصبونه على وجوههم للتبريد، فيعطون هذا الماء؛ كما حكى عنهم قولهم :﴿ أَفِيضُواْ عَلَيْنَا مِنَ المآء ﴾ [ الأعراف : ٥٠ ].
قوله :﴿ بِئْسَ الشراب ﴾ المخصوص محذوف، تقديره : هو، أي : ذلك الماء المستغاث به.
قوله :﴿ وَسَآءَتْ مُرْتَفَقاً ﴾ « ساءت » هنا متصرفة على بابها، وفاعلها ضمير النار، ومرتفقاً تمييزٌ منقولٌ من الفاعلية، أي : ساء، وقبح مرتفقها. والمُرتَفقُ : المُتَّكأ ومنه سمي المرفق مرفقاً؛ لأنه يتكأ عليه، وقيل : المنزل قاله ابن عبَّاس.
وقال مجاهد : مجتمعاً للرُّفقة؛ لأنَّ أهل النَّار يجتمعون رفقاء، كما يجتمع أهل الجنَّة رفقاء.
فأمَّا رفقاء أهل الجنَّة، فهم الأنبياءُ والصِّديقُون والشُّهداء والصالحون ﴿ وَحَسُنَ أولئك رَفِيقاً ﴾ [ النساء : ٦٩ ].
وأما رفقاء النَّار، فهم الكفَّار والشَّياطين، أي : بئسَ الرفقاءُ هؤلاءِ، وبئس موضعُ الترافق النَّار، كما أنه نعم الرفقاءُ أهل الجنَّة، ونعم موضع الرفقاء الجنَّة، قاله ابن عباس وقيل : هو مصدر بمعنى الارتفاق، وقيل : هو من باب المقابلة أيضاً؛ كقوله في وصف الجنة بعد :﴿ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقاً ﴾ [ الكهف : ٣١ ]، وإلاَّ فأيُّ ارتفاقٍ في النار؟ قال الزمخشري : إلا أن يكون من قوله :[ البسيط ]
٣٥١٦- إنِّي أرِقْتُ قَبِتُّ اللَّيْلَ مُرتفِقاً كَأنَّ عينيَّ فيها الصَّابُ مَذْبُوحُ
فهو يعني من باب التَّهكُّم.


الصفحة التالية
Icon