﴿ وحلوا أَسَاوِرَ مِن فِضَّةٍ ﴾ [ الإنسان : ٢١ ]، وسوار من لؤلؤ؛ لقوله ﴿ وَلُؤْلُؤاً وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ ﴾ [ الحج : ٢٣ ].
وأمَّا لباسُ التستُّر، فلقوله :﴿ وَيَلْبَسُونَ ثِيَاباً خُضْراً مِّن سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ ﴾.
فالأول : هو الدِّيباجُ الرَّقيق.
والثاني : هو الديباجُ الصَّفيق.
وقيل : أصله فارسيٌّ معرَّبٌ، وهو « إستبره » : أي غليظٌ.
قوله :﴿ مِنْ أَسَاوِرَ ﴾ : في « مِنْ » هذه أربعة أوجه :
الأوّل : أنها للابتداءِ.
والثاني : أنها للتبعيض.
والثالث : أنها لبيان الجنس، أي : أشياء من أساور.
والرابع : أنها زائدة عند الأخفش؛ ويدلُّ عليه قوله :﴿ وحلوا أَسَاوِرَ ﴾ [ الإنسان : ٢١ ]. [ ذكر هذه الثلاثة الأخيرة أبو البقاء ].
وأساور جمع أسورةٍ، [ وأسْوِرَة ] جمع سِوار، كحِمار وأحْمِرة، فهو جمع الجمع. وقيل : جمع إسوارٍ، وأنشد :[ الرجز ]

٣٥١٨- واللهِ لَوْلاَ صِبْيَةٌ صِغَارُ كَأنَّمَا وجُوهُهمْ أقْمَارُ
أخَافُ أنْ يُصِيبَهُمْ إقْتَارُ أو لاطِمٌ ليْسَ لهُ إسْوَارُ
لمَّا رَآنِي مَلِكٌ جَبَّارُ بِبَابهِ مَا طَلَعَ النَّهارُ
وقال أبو عبيدة : هو جمع « إسوارٍ » على حذف الزيادة، وأصله أساوِيرُ.
وقرأ أبان، عن عاصم « أسْوِرَة » جمع سوارٍ، وستأتي إن شاء الله تعالى في الزخرف [ الزخرف : ٣٠ ] هاتان القراءتان في المتواتر، وهناك يذكر الفرق إن شاء الله تعالى.
والسِّوارُ يجمع في القلَّة على « أسْوِرَةٍ » وف يالكثرة على « سُورٍ » بسكون الواو، وأصلها كقُذلٍ وحُمرٍ، وإنما سكنت؛ لأجل حرف العلَّة، وقد يضمُّ في الضرورة، قال :[ السريع ]
٣٥١٩- عَنْ مُبرِقاتٍ بالبُرِينِ وتَبْ دُو في الأكُفِّ اللامعاتِ سُورْ
وقال أهل اللغة : السِّوارُ : ما جعل في الذِّراعِ من ذهبٍ، أو فضَّة، أو نحاسٍ، فإن كان من عاج، فهو قلبٌ.
قوله :« مِنْ ذهبٍ » يجوز أن تكون للبيان، أو للتبعيض، ويجوز أن تتعلق بمحذوفٍ؛ صفة لأساور، فموضعه جرٌّ، وأن تتعلق بنفس « يُحلَّوْنَ » فموضعها نصبٌ.
قوله :« ويَلْبَسُونَ » عطف على « يُحلَّوْن » وبني الفعل في التحليةِ للمفعول؛ إيذاناً بكرامتهم، وأنَّ غيرهم يفعل بهم ذلك ويزيِّنهم به، كقول امرئ القيس :[ الطويل ]
٣٥٢٠- عَرائِسُ في كِنٍّ وصَوْنٍ ونَعْمَةٍ يُحلَّيْنَ يَاقُوتاً وشَذْراً مُفقَّرا
اللِّبس، فإنَّ الإنسان يتعاطاه بنفسه، وقدِّم التَّحلِّي على اللباس؛ لأنه أشهى للنَّفس.
وقرأ أبان عن عاصم « ويَلْبِسُونَ » بكسر الباء. ﴿ مِّن سُنْدُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ ﴾ « مِنْ » لبيانِ الجنس، وهي نعتٌ لثياب.
والسُّندسُ : ما رقَّ من الدِّيباج، والإستبرق : ما غلظ منه وعن أبي عمران الجونيِّ اقل : السُّندسُ : هو الديباجُ المنسوج بالذَّهب، وهما جمعُ سندسةٍ وإستَبْرقةٍ، وقيل : ليسا جمعين، وهل « إسْتَبْرق » عربيُّ الأصل، مشتقٌّ من البريق، أو معرب أصله إستبره؟ خلاف بين اللغويين. وقيل : الإستبرق اسم للحرير وأنشد للمرقش :[ الطويل ]
٣٥٢١- تَراهُنَّ يَلبَسْنَ المشَاعِر مرَّةً وإسْتَبْرَقُ الدِّيباجِ طَوراً لِباسُهَا
وهو صالحٌ لما تقدَّم، وقال ابن حجرٍ :« الإستبرقُ : ما نسج بالذَّهب ».


الصفحة التالية
Icon