« فقال » يعني صاحب البستان « لصاحبه » أي المؤمن.
« وهو يُحَاوِرهُ » أي : يخاطبه وهذه جملة حاليَّة مبيِّنةٌ؛ إذ لا يلزم من القول المحاورةُ؛ إذ لمحاورة مراجعة الكلام من حار، أي : رجع، قال تعالى :﴿ إِنَّهُ ظَنَّ أَن لَّن يَحُورَ ﴾ [ الإنشقاق : ١٤ ]. وقال امرؤ القيس :[ الطويل ]

٣٥٢٥- ومَا المَرْءُ إلاَّ كالشِّهابِ وضَوْئهِ يَحُورُ رَماداً بَعْدَ إذْ هُوَ سَاطِعُ
ويجوز أن تكون حالاً من الفاعل، أو من المفعول.
قوله :﴿ أَنَا أَكْثَرُ مِنكَ مَالاً وَأَعَزُّ نَفَراً ﴾.
والنَّفَرُ : العشيرة الذين يذبُّون عن الرجل، وينفرون معه، وقال قتادة : حشماً، وخدماً.
وقال مقاتلٌ : ولداً تصديقه قوله :﴿ أَنَاْ أَقَلَّ مِنكَ مَالاً وَوَلَداً ﴾ [ الكهف : ٣٩ ].
قوله :﴿ جَنَّتَهُ ﴾ : إنما أفرد بعد ذكر التثنية؛ اكتفاء بالواحد للعلمِ بالحال، قال أبو البقاء : كما اكتفى بالواحد عن الجمع في قول الهذليِّ :[ الكامل ]
٣٥٢٦- فَالعيْنُ بَعدهُم كَأنَّ حِداقهَا سُمِلتْ بِشوْكِ فهي عُورٌ تَدْمَعُ
ولقائلٍ أن يقول : إنما يجوز ذلك؛ لأنَّ جمع التكسير يجري مجرى المؤنَّثة، فالضمير في « سُمِلَتْ » وفي « فهي » يعود على الحداقِ، لا على حدقةٍ واحدة، كما يوهم.
وقال الزمخشري :« فإن قلت : لم أفرد الجنَّة، بعد التثنية؟ قلت : معناه : ودخل ما هو جنَّتهُ، ما له جنة غيرها، بمعنى : أنه ليس له نصيب في الجنة الَّتي وعد المتَّقون، فما ملكه في الدنيا، فهو جنَّته، لا غير، ولم يقصد الجنتين، ولا واحدة منهما ».

فصل


قال أبو حيان :« ولا يتصوَّر ما قال؛ لأنَّ قوله :﴿ وَدَخَلَ جَنَّتَهُ ﴾ إخبار من الله تعالى بأنَّ هذا الكافر دخل جنَّته، فلا بدَّ أن قصد في الإخبار : أنه دخل إحدى جنتيه؛ إذ لا يمكن أن يدخلهما معاً في وقتٍ واحدٍ ». قال شهاب الدين : من ادَّعى دخولهما في وقتٍ واحدٍ، حتَّى يلزمه بهذا المستحيلِ في البداية؟ وأمَّا قوله « ولم يقصد الجنَّتين، ولا واحدة » معناه : لم يقصد تعيين مفردٍ، ولا مثنى، لا أنه لم يقصد الإخبار بالدخول.
وقال أبو البقاء :« إنما أفرد؛ لأنَّهما جميعاً ملكهُ، فصارا كالشيء الواحد ».
قوله :« وهُو ظَالِمٌ » حال من فاعل « دَخلَ »، وقوله « لنَفْسهِ » مفعول « ظَالِمٌ » واللام مزيدة فيه؛ لكون العامل فرعاً.
قوله :« ﴿ مَآ أَظُنُّ ﴾ فيه وجهان :
أحدهما : ان يكون مستأنفاً بياناً لسبب الظلم.
والثاني : أن يكون حالاً من الضَّمير في »
ظَالِمٌ «، أي : وهو ظالمٌ في حال كونه قائلاً.
قوله :»
أنْ تَبِيدَ « أي : تهلك، قال :[ المقتضب ]
٣٥٢٧- فَلئِنْ بَادَ أهْلهُ لبِما كَانَ يُوهَلُ
ويقال : بَادَ يَبيدُ بُيُوداً وبَيْدُودة، مثل »
كَيْنُونة « والعمل فيها معروفٌ، وهو أنه حذفت إحدى الياءين، ووزنها فيعلولة.
قوله :﴿ وَدَخَلَ جَنَّتَهُ ﴾ يعني الكافر آخذاً بيد صاحبه المسلم يطوف به فيها، ويريه بهجتها وحسنها، وأخبره بصنوف ما يملكه من المال ﴿ وَهُوَ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ ﴾ بكفره، وهذا اعتراضٌ وقع في أثناء الكلام، والمعنى أنه لمَّا اغترَّ بتلك النِّعم، وتوسَّل بها إلى الكفران والجحود؛ لقدرته على البعث، كان واضعاً لتلك النِّعم في غير موضعها، ﴿ قَالَ مَآ أَظُنُّ أَن تَبِيدَ هذه أَبَداً ﴾.


الصفحة التالية
Icon