فصل في معنى الحسبان
قال الراغب :« قيل : معناه ناراً، وعذاباً، وإنما هو في الحقيقة ما يحاسبُ عليه، فيجازى بحسبه » وهذا موافق لما قاله أبو إسحاق، والزمخشريُّ نحا إليه أيضاً، فقال :« والحُسْبان مصدر؛ كالغفران والبطلان بمعنى الحساب، أي : مقداراً حسبه الله وقدَّره، وهو الحكم بتخريبها ». وهو قول ابن عباس وقيل : جمع حسبانةٍ، وهي السَّهمُ.
وقال ابن قتيبة : مرامي من السَّماء، وهي مثل الصَّاعقة، أي : قطع من النَّار.
قوله :﴿ أَوْ يُصْبِحَ ﴾ : عطف على « يُرْسلَ » قال أبو حيَّان : و « أوْ يُصْبِحَ » عطفٌ على قوله :« ويُرْسِلَ » لأن غُؤورَ الماءِ لا يتَسبَّبُ عن الآفةِ السماوية، إلا إن عنى بالحسبان القضاء [ الإلهيَّ ] ؛ فحينئذ يتسبَّب عنه إصباحُ الجنة صعيداً زلقاً، أو إصباح مائها غوراً.
والزَّلقُ والغَوْرُ في الأصل : مصدران وصف بهما للمبالغة.
والعامة على فتح الغين، غَارَ المَاءُ يَغورُ غَوراً : غَاضَ وذهب ف يالأرض، وقرأ البرجميُّ بضم الغين لغة في المصدر، وقرأت طائفة « غُؤوراً » بضمِّ الغين، والهمزة، وواوٍ ساكنة، وهو مصدر أيضاً، يقال : غار الماء غؤوراً مثل : جلس جلوساً.
فصل في معنى قوله :﴿ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً ﴾
معنى قوله :﴿ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً ﴾ أرضاً جرداء ملساء لا نبات فيها، وقيل : تزلق فيها الأقدام.
وقال مجاهد : رملاً هائلاً، والصعيد وجه الأرض.
﴿ أَوْ يُصْبِحَ مَآؤُهَا غَوْراً ﴾ أي : غائراً منقطعاً ذاهباً لا تناله الأيدي، ولا الدِّلاءُ، والغور : مصدر وقع موقع الاسم، مثل زور وعدل.
قوله :﴿ فَلَن تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً ﴾ أي : فيصير بحيثُ لا تقدر على ردِّه إلى موضعه.
ثمَّ أخبر الله تعالى أنَّه حقَّق ما قدره هذا المؤمن، فقال :﴿ وَأُحِيطَ بِثَمَرِهِ ﴾ اي : أحاط العذاب بثمر جنته، وهو عبارة عن إهلاكه بالكليَّة، وأصله من إحاطة العدوِّ؛ لأنَّه إذا أحاط به، فقد استولى عليه، ثمَّ استعمل في كلِّ إهلاكٍ، ومنه قوله تعالى :﴿ إِلاَّ أَن يُحَاطَ بِكُمْ ﴾ [ يوسف : ٦٦ ].
قوله :﴿ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ ﴾ : قُرئ « تَقلَّبُ كفَّاهُ »، أي : تتقلَّب كفَّاه، و « أصْبحَ » : يجوز أن تكون على بابها، وأن تكون بمعنى « صار » وهذا كناية عن الندم؛ لأنَّ النادم يفعل ذلك.
قوله :﴿ عَلَى مَآ أَنْفَقَ ﴾ يجوز أن يتعلق ب « يُقلِّبُ » وإنما عدِّي ب « عَلَى » لأنه ضمِّن معنى « يَندَمُ ».
وقوله :« فيها »، أي : في عمارتها، ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنَّه حال من فاعل « يُقلِّبُ » أي : متحسِّراً، كذا قدَّره أبو البقاس، وهو تفسير معنى، والتقدير الصناعي؛ إنما هو كونٌ مطلقٌ.
قوله :« ويَقُولُ » يجوز أن يكون معطوفاً على « يُقلِّبُ » ويجوز أن يكون حالاً.