قوله تعالى :﴿ واضرب لَهُم مَّثَلَ الحياة الدنيا ﴾ الآية.
أي : واضرب، يا محمد، لهؤلاء الذين افتخروا بأموالهم، وأنصارهم على فقراء المسلمين ﴿ مَّثَلَ الحياة الدنيا ﴾ ثم ذكر المثل فقال :﴿ كَمَآءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السماء فاختلط بِهِ نَبَاتُ الأرض ﴾.
قوله :﴿ كَمَآءٍ ﴾ : فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : أن تكون خبر مبتدأ محذوف، فقدَّره ابن عطيَّة هي، أي : الحياة الدنيا.
والثاني : أنه متعلق بمعنى المصدر، أي : ضرباً كماء، قاله الحوفيُّ. وهذا بناء منهما على أن « ضرب » هذه متعدية لواحدٍ فقط.
والثالث : أنه في موضع المفعول الثاني ل « اضْرِبْ » لأنها بمعنى طصَيِّرْ « وقد تقدم.
قال أبو حيان بعدما نقل قولي ابن عطيَّة والحوفيِّ :» وأقول : إنَّ « كماءٍ » في موضع المفعول الثاني لقوله « واضْرِبْ »، أي : وصيِّر لهم مثل الحياة، أي : صفتها شبه ماء «. قال شهاب الدين : وهذا قد سبقه إليه أبو البقاء.
و » أنْزَلنَاهُ « صفة ل » مَاءٍ «.
قوله :» فاخْتلَطَ به « يجوز في هذه الباء وجهان :
أحدهما : أن تكون سببية.
الثاني : أن تكون متعدِّية، قال الزخشري :» فالتفَّ بسببه، وتكاثف حتى خالط بعضه بعضاً، وقيل : تجمع الماء في النبات؛ حتى روي ورَفَّ رفيفاً، وكان حق اللفظ على هذا التفسير : فاختلط بنباتِ الأرض، ووجه صحته : أنَّ كلَّ مختلطين موصوف كل واحدٍ منهما بصفةِ الآخر «.
قوله :﴿ فَأَصْبَحَ هَشِيماً ﴾ » أصْبَحَ « يجوز أن تكون على بابها؛ فإنَّ أكثر ما يطرقُ من الآفاتِ صباحاً؛ كقوله :﴿ فَأَصْبَحَ يُقَلِّبُ كَفَّيْهِ ﴾ [ الكهف : ٤٢ ] ويجوز أن تكون بمعنى » صار « من غير تقييدٍ بصباحٍ؛ كقوله :[ المنسرح ]٣٥٣٣- أصْبَحَتُ لا أحْمِلُ السِّلاحَ ولاَ | أمْلِكُ رَأسَ البعيرِ إنْ نَفرَا |
والهشيمُ : واحده هشيمة، وهو اليابس، وقال الزجاج وابن قتيبة : كل ما كان رطباً، فيَبِسَ، ومنه ﴿ كَهَشِيمِ المحتظر ﴾ [ القمر : ٣١ ] ومنه : حشمتُ الفتَّ والهشيم : المتفتِّت المتكسِّر، ومنه هشمت أنفه، وهشَمَ الثَّريدَ : إذا فتَّه.
قال :[ الكامل ]٣٥٣٤- عَمْرُو الَّذي هَشمَ الثَّريدَ لقَومهِ | ورِجَالُ مَكَّةَ مُسنتُونَ عِجَاف |
قوله :» تَذرُوهُ « صفة ل » هَشِيماً « والذَّرْوُ : التفريق، وقيل : الرفع.
والعامة » تَذْروهُ « بالواو، وقرأ عبد الله » تَذْريه « من الذَّري، ففي لامه لغتان : الواو والياء، وقرأ ابن عبَّاس » تُذْريهِ « بضمِّ التاء من الإذراءِ، وهذه تحتمل أن تكون من الذَّرْوِ، وأن تكون من الذَّري، والعامة على » الرَّياحِ « جمعاً، وزيد بن عليِّ، و الحسنُ، والنخعيُّ في آخرين » الرِّيحُ « بالإفراد.
فصل في معنى ألفاظ الآية
و » مَثَل « معنى المثل، قال ابن عباسٍ : يعني بالماءِ المطر، نزل من السماء ﴿ فاختلط بِهِ نَبَاتُ الأرض ﴾ خرج من كل لون وزهرة، » فأصْبحَ « عن قريب » هَشِيماً « يابساً.