قوله :﴿ وَيَوْمَ نُسَيِّرُ ﴾ :« يَوْمَ » منصوب بقولٍ مضمرٍ بعده، تقديره : نقول لهم يوم نسيِّر الجبالك لقد جئتمونا، وقيل : بإضمار « اذْكُرْ » وقيل : هو معطوف على « عِنْدَ ربِّكَ » فيكون معمولاً لقوله « خَيْرٌ ».
وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر بضمِّ التاء، وفتح الياء مبنياً للمفعول، « الجِبَالُ » بالرفع؛ لقيامه مقام الفاعل، وحذف الفاعل؛ للعلم به، وهو الله، أو من يأمره من الملائكة، وهذه القراءة موافقةٌ لما اتُّفقَ عليه في قوله ﴿ وَسُيِّرَتِ الجبال ﴾ [ النبأ : ٢٠ ]، ويؤيِّدها قراءة عبد الله هنا ﴿ وَسُيِّرَتِ الجبال ﴾ فعلاً ماضياً مبنياً للمفعول.
والباقون « نُسيِّرُ » بنون العظمة، والياء مكسورة من « سَيَّرَ » بالتشديد؛ « الجبالَ » بالنصب على المفعول به، وهذه القراءة مناسبة لما بعدها من قوله ﴿ وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً ﴾.
وقرأ الحسن كقراءة ابن كثير، ومن ذكر معه إلاَّ أنه بالياء من تحت؛ لأنَّ التأنيث مجازيٌّ وقرأ ابن محيصن، ورواها محبوب عن أبي عمرو :[ « تسير » ] بفتح التاء من فوق ساكن الياء، من سارت تسير، و « الجِبَالُ » بالرفع على الفاعلية.
قوله :﴿ وَتَرَى الأرض بَارِزَةً ﴾ « بَارِزَةً » حالٌ؛ إذ الرؤية بصرية، وقرأ عيسى ﴿ وتُرَى الأرضُ ﴾ مبنيًّا للمفعول، و « الأرضُ » قائمة مقام الفاعل.
قوله :﴿ وَحَشَرْنَاهُمْ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
الأول : أنه ماضٍ، يراد به المستقبل، أي : ونحشرهم، وكذلك ﴿ وَعُرِضُوا ﴾ [ الكهف : ٤٨ ] و ﴿ وَوُضِعَ الكتاب ﴾ [ الكهف : ٤٩ ].
والثاني : أن تكون الواو للحالِ، والجملة في محلِّ النصب، أي : نفعل التسيير في حال حشرهم؛ ليشاهدوا تلك الأهوال.
والثالث : قال الزمخشري :« فإن قلت : لِمَ جيء ب » حَشرْنَاهُمْ « ماضياً بعد » نُسيِّرُ « و » ترى « ؟ قلت : للدلالة على أنَّ حشرهم قبل التسيير، وقيل البروز؛ ليعاينوا تلك الأهوال العظام؛ كأنَّه قيل : وحَشرنَاهُم قبل ذلكَ ».

فصل


قال أبو البقاء، وأبو حيان :« والأولى أن تكون الواو للحال » فذكر نحواً ممَّا قدَّمته.
قوله :« فَلمْ نُغادِرْ » عطل على « حَشَرنَاهُمْ » فإنه ماضٍ معنى، والمغادرة هنا : بمعنى « الغَدْر » وهو الترك، أي : فلم نترك، والمفاعلة هنا ليس فيها مشاركة، وسمي الغدر غدراً؛ لأنَّ به ترك الوفاءُ، وغدير الماء من ذلك؛ لأنَّ السيل غادره، أي : تركه، فلم يجئه أو ترك فيه الماء، ويجمع على « غدر » و « غُدرَان » كرغيف ورغفان، واستغدر الغَديرُ : صار فيه الماء، و الغديرة : الشَّعرُ الذي ترك حتى طال، والجمع غدائرُ. قال امرؤ القيس :[ الطويل ]
٣٥٣٥- غَدائِرُهُ مُسْتشْزِرَاتٌ إلى العُلا ........................
وقرأ قتادة « فَلمْ تُغادِرْ » بالتاء من فوقُ، والفاعل ضمير الأرض، أو الغدرة المفهومة من السياق، وأبان :« يُغادَرْ » مبنياً للمفعول، « أحدٌ » بالرفع، والضحاك :« نُغْدِرْ » بضم النون، وسكون العين، وكسر الدال، من « أغْدرَ » بمعنى « غَدرَ ».


الصفحة التالية
Icon