وأيضاً : فإنه كان خازن الجنة، فنسب إلى الجنَّة؛ كقولهم : كوفيٌّ، وبصريٌّ.
وعن سعيد بن جبير، قال : كان من الجنَّانين الذين يعملون في الجنان، وهم حيٌّ من الملائكة، يصوغون حلية أهل الجنة منذ خلقوا.
رواه القاضي في تفسيره عن هشام عن سعيد بن جبيرٍ.
وقال الحسن : كان من الجنِّ، ولم يكن من الملائكةِ، فهو أصل الجنِّ، كما أنَّ آدم أصل الإنس.
وقيل : كان من الملائكة، فمسخ وغيَّر، وكما يدلُّ على أنه ليس من الملائكة قوله تعالى :﴿ أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِي ﴾ والملائكة ليس لهم نسلٌ، ولا ذرِّيَّة.
بقي أن يقال : لو لم يكن من الملائكة، لما تناوله الأمر بالسجود، فكيف يصحُّ استثناؤه منهم؟.
تقدَّم الكلام على ذلك في البقرة.
ثم قال تعالى :﴿ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ﴾.
قال الفراء :﴿ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ﴾، أي : خرج من طاعته، تقول العرب : فسقتِ الرطبة عن قشرها، أي خرجت، وسميت الفأرة فويسقة؛ لخروجها من جحرها.
قال رؤبة :[ الرجز ]

٣٥٣٧- يَهْويْنَ في نَجْدٍ وغَوْراً غَائِرَا فَواسِقاً عَنْ قَصْدِهَا جَوائِرَا
وحكى الزجاج عن الخليل وسيبويه، أنه قال : لما أمر فعصَى، كان سبب فسقه هو ذلك الأمر، والمعنى : أنه لولا ذلك الأمر السابق، لما حصل ذلك الفسق، فلهذا حسن أن يقال :﴿ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ ﴾ كقوله :﴿ واسأل القرية التي كُنَّا فِيهَا ﴾ [ يوسف : ٨٢ ].
ثم قال :« أفَتَتَّخِذُونَهُ » يعني : يا بني آدم ﴿ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ ﴾، أي : أعداء.
روى مجاهد عن الشعبيِّ قال : إنِّي قاعدٌ يوماً؛ إذ أقبل رجل فقال : أخبرني، هل لإبليس زوجة؟ قال : إنَّه لعرسٌ ما شَهدتُّه، ثُم ذكرتُ قول الله عزَّ وجلَّ :﴿ أفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِي ﴾ فعلمت أنَّه لا يكون ذريَّة إلا من زوجة، فقلت، نعم.
وقال قتادة : يتوالدون، كما يتوالد بنو آدم.
وقيل : إنَّه يدخل ذنبه في دبره، فيبيض، فتنفلق البيضة عن جماعة من الشَّياطين.
ثم قال :﴿ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلاً ﴾.
قال قتادة : بئس ما استبدلوا طاعة إبليس، وذريته بعبادة ربِّهم.
قوله :﴿ مَّآ أَشْهَدتُّهُمْ خَلْقَ السماوات ﴾ : أي : إبليس وذريته، أو ما أشهدت الملائكة، فكيف يعبدونهم؟ أو ما أشهدت الكفار، فكيف ينسبون إليَّ ما لا يليق بجلالي؟ أو ما أشهدت جميع الخلقِ.
وقرأ أبو جعفر، [ وشيبة ] والسختياني في آخرين :« ما أشهدناهم » على التعظيم.
والمعنى : ما أحضرناهم ﴿ خَلْقَ السماوات والأرض وَلاَ خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ ﴾ أي : ولا أشهدت بعضهم خلق بعض، يعني : ما اشهدتهم؛ لأعتضد بهم.
قوله :﴿ وَمَا كُنتُ مُتَّخِذَ المضلين عَضُداً ﴾ أي : ما كنت متَّخذهم، فوضع الظاهر موضع المضمر؛ بياناً لإضلالهم؛ وذمًّا لهم وقوله :« عَضُدًا » أي : ما كنت متَّخذهم، فوضع الظاهر موضع المضمر؛ بياناً لإضلالهم؛ وذمَّا لهم وقوله :« عَضُداً » أي : أعواناً.
قال ابن الخطيب : والأقرب عندي أنه الضمير الرَّاجع على الكفَّار الذين قالوا للرسول ﷺ : إن لم تطرد عن مجلسك هؤلاء الفقراء، لم نؤمن بك، فكأنه - تعالى - قال : إنَّ هؤلاء الذين أتوا بالاقتراح الفاسد، والتعنُّت الباطل، ما كانوا شركاء في تدبير العالم؛ لأنِّي ما أشهدتهم خلق السموات والأرض، ولا خلق أنفسهم، ولا أعتذد بهم في تدبير الدنيا والآخرة، بل هم كسائر الخلق، فلم أقدموا على هذا الاقتراح الفاسد؟.


الصفحة التالية
Icon