قوله تعالى :﴿ وَمَنْ أظْلَمُ ﴾ الآية.
تقدم إعراب نظيرها في الأنعام، واعلم أنَّه تعالى لمَّا حكى عن الكفَّار جدالهم بالباطل، وصفهم بالصِّفات الموجبة للخزي والخذلان، فقال :﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيِاتِ رَبِّهِ ﴾.
أي : لا ظلم أعظم من كفر من ترد عليه الآيات، فيعرض عنها، ويتركها، ولم يرمن بها ونسي ما قدَّمت يداه، أي : مع إعراضه عن التأمُّل في الدلائلِ والبيِّنات يتناسى ما قدمت يداه من الأعمال المنكرة، والمراد [ بالنِّسيان ] التَّشاغل والتغافل عن كفره المتقدِّم.
قوله :﴿ إِنَّا جَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً ﴾ أي : أغطية.
قوله :﴿ أَن يَفْقَهُوهُ ﴾ لئلاَّ يفقهوه.
قوله :﴿ وَفِي آذَانِهِمْ وَقْراً ﴾ صمماً وثقلاً.
قوله :﴿ وَإِن تَدْعُهُمْ ﴾ يا محمد ﴿ إلى الهدى ﴾ إلى الدين. قوله :﴿ فَلَنْ يهتدوا إِذاً أَبَداً ﴾ وهذا في أقوام، علم الله منهم أنهم لا يؤمنون.
وتقدَّم الكلام على هذه الآية في سورة الأنعام.
والعجب أنَّ قوله :﴿ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيِاتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا وَنَسِيَ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ ﴾ متمسَّكُ القدريَّة.
وقوله :﴿ إِنَّا جَعَلْنَا على قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَن يَفْقَهُوهُ ﴾ متمسَّك الجبرية، وقلما تجد آية في القرآن لأحد هذين الفريقين إلا ومعها آية للفريق الآخر، والتجربة تكشف عن صدق هذا، وما ذاك إلا امتحانٌ من الله ألقاه على عباده، ليتميَّز العلماء الراسخُون عن المقلِّدين. ثم قال :﴿ وَرَبُّكَ الغفور ذُو الرحمة ﴾.
« الغَفورُ » : البليغ المغفرة، وهو إشارة غلى دفع المضارِّ ﴿ ذُو الرحمة ﴾ : الموصوف بالرحمة، وإنَّما ذكر لفظ المبالغة في المغفرة، لا في الرحمة؛ لأنَّ [ المغفرة ] ترك [ الإضراب ].
قوله :﴿ بَل لَّهُم مَّوْعِدٌ ﴾ : يجوز في « المَوعِد » أن يكون مصدراً أو زماناً أو مكاناً.
والمَوئِلُ : المرجعُ، من وأل يَئِلُ، أي : رجع، وهو من التأويل، وقال الفراء :« المَوْئِلُ : المنجى، وألَتْ نفسه، أي : نَجَتْ » قال الأعشى :[ البسيط ]

٣٥٤١- وقَدْ أخَالِسُ ربَّ البيتِ غَفْلتهُ وقَدْ يُحَاذِرُ منِّي ثمَّ ما يَئِلُ
أي : ما ينجو، وقال ابن قتيبة :« المَوْئِلُ : الملجأ ». يقال : وأل فلانٌ إلى فلانٍ يئلُ وألاً، وَوُءُولاً، إذا لجأ إليه، وهو هنا مصدر.
و « مِنء دُونهِ » متعلق بالوجدان؛ لنه متعدٍّ لواحدٍ، أو بمحذوف على أنه حال من « مَوْئِلاً ».
وقرأ أبو جعفر « مَوِلاً » بواو مكسورة فقط، والزهري : بواو مشددة فقط، والأولى أقيس تخفيفاً.


الصفحة التالية
Icon