وقال مجاهد : إنما سمِّي خضراً؛ لأنَّه كان إذا صلَّى، اخضرَّ ما حوله.
روي في الحديث أنَّ موسى - عليه السلام - لمَّا رأى الخضر - عليه السلام - سلَّم عليه، فقال الخضر : وأنَّى بأرضك السلام؟ قال : أنا موسى، قال : موسى بني إسرائيل؟ قال : نعم، أتيتك؛ لتعلِّمنِي ممَّا علِّمت رشداً.

فصل في بيان أن الخضر كان نبياً


قال أكثر المفسرين : إنَّه كان نبيًّا، واحتجوا بوجوهٍ :
الأول : قوله :﴿ آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا ﴾ والرحمة : هي النبوة؛ لقوله تعال ﴿ أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ ﴾ [ الزخرف : ٣٢ ].
وقوله :﴿ وَمَا كُنتَ ترجوا أَن يلقى إِلَيْكَ الكتاب إِلاَّ رَحْمَةً مِّن رَّبِّكَ ﴾ [ القصص : ٨٦ ].
والمراد من هذه الرحمة النبوة، ولقائلٍ أن يقول : سلَّمنا أن النبوَّة رحمة، ولكن لا يلزمُ بكلِّ رحمةٍ نبوةٌ.
الثاني : قوله تعالى :﴿ وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً ﴾ وهذا يدل على أنه علمه لا بواسطة، ومن علَّمه الله شيئاً، لا بواسطة البشر، يجب أن يكون نبيًّا، وهذا ضعيفٌ؛ لأنَّ العلوم الضرورية تحصل ابتداء من عند الله، وذلك لا يدلُّ على النبوَّة.
الثالث : قول موسى - عليه السلام - :« هل أتَّبِعُك على أن تعلِّمنِي ممَّا علِّمتَ رُشداً » والنبي لا يتَّبع غير النبي في التعلُّم.
وهذا أيضاً ضعيفٌ؛ لأنَّ النبي لا يتبع غير النبي في العلوم التي باعتبارها صار نبيًّا، [ أما في غير تلك العلوم فلا ].
الرابع : أنَّ ذلك العبد أظهر الترفُّع على موسى، فقال :﴿ وَكَيْفَ تَصْبِرُ على مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْراً ﴾ فأما موسى، فإنه أظهر التواضع له؛ حيث قال :﴿ وَلاَ أَعْصِي لَكَ أمْراً ﴾ وذلك يدلُّ على أنَّ ذلك العالم كان فوق موسى، ومن لا يكون نبيًّا، لا يكون فوق النبيِّ، وذلك أيضاً ضعيفٌ؛ لأنه يجوز أن يكون غير النبيِّ فوق النبي في علومٍ لا تتوقَّف نبوته عليها.
فإن قيل : إنه يوجبُ تنفيراً.
فالجواب : وتكليمه بغير واسطة يوجب التَّنفير.
فإن قالوا : هذا لا يوجبُ التنفير، فكذلك فيما ذكروه.
الخامس : احتجَّ الأصم بقوله :« وما فعلتهُ عن أمْرِي » أي : فعلته بوحي الله تعالى، وذلك يدلُّ على النبوة، وهذا ضعيف أيضاً.
روي أنَّ موسى - عليه السلام - لمَّا وصل غليه، فقال : السلام عليك، فقال : وعليك السلام، يا نبيَّ بني إسرائيل، فقال موسى : من عرَّفك هذا؟ قال : الذي بعثك إليَّ؛ وهذا يدلُّ على أنَّه إنما عرف ذلك بالوحي، والوحي لا يكون إلا إلى النبيِّ.
ولقائلٍ أن يوقل : لم لا يجوز أن يكون ذلك من باب الكرامات؟.
قال البغوي : ولم يكن الخضرُ نبيًّا عند أكثر أهل العلم.
قوله :﴿ آتَيْنَاهُ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَعَلَّمْنَاهُ مِن لَّدُنَّا عِلْماً ﴾ أي : علم الباطن إلهاماً.
و « عِلْماً » : مفعول ثان ل « عَلَّمْناهُ » قال أبو البقاء :« ولو كان مصدراً، لكان تعليماً » يعني : لأنَّ فعله على « فعَّل » بالتشديد، وقياس مصدره « التَّفعيلُ ».


الصفحة التالية
Icon