قوله :﴿ عَمَّا يُشْرِكُونَ ﴾ يجوز أن تكون « ما » مصدرية فلا عائد لها عند الجمهور أي : عن إشراكهم به غيره، وأن تكون موصولة اسمية.
وقرأ العامة ﴿ فَلاَ تَسْتَعْجِلُوهُ ﴾ بالتاء خطاباً للمؤمنين أو للكافرين وقرأ ابن جبير بالياء من تحت عائداً على الكفار أو على المؤمنين.
وقرأ الأخوان « تُشْرِكُونَ » بتاء الخطاب جرياُ على الخطاب في « تَسْتَعْجِلُوهُ » والباقون بالياء عوداً على الكفار، وقرأ الأعمش وطلحة والجحدري وجم غفير بالتاء من فوق في الفعلين.
قوله ﴿ يُنَزِّلُ الملاائكة ﴾ قد تقدم الخلاف في « يُنَزِّلُ » بالنسبة إلى التشديد والتخفيف في البقرة.
وقرأ زيد بن عليٍّ والأعمش وأبو بكر عن عاصم « تُنَزَّلُ » [ مشدداً ] مبنيًّا للمفعول وبالتاء من فوق. « المَلائِكَةُ » رفعاً لقيامه مقام الفاعل، وقرأ الجحدري : كذلك إلا أنه خفَّف الزَّاي.
وقرأ الحسن، والأعرج، وأبو العالية - رحمهم الله - عن عاصم بتاء واحدة من فوق، وتشديد الزاي مبنياً للفاعل، والأصل تتنزل بتاءين.
وقرأ ابن أبي عبلة :« نُنَزِّلُ » بنونين وتشديد الزَّاي « المَلائِكةَ » نصباً، وقتادة كذلك إلاَّ أنَّه بالتخفيف.
قال ابن عطية :« وفيهما شذوذٌ كبيرٌ » ولم يبين وجه ذلك.
ووجهه أنَّ ما قبله وما بعده ضمير غائبٌ، وتخريجه على الالتفات.
قوله :« بِالرُّوحِ » يجوز أن يكون متعلقاً بنفس الإنزالِ، وأن يكون متعلقاً بمحذوف على أنه حال من الملائكة، أي : ومعهم الروحُ.
قوله « مِنْ أمْرهِ » حال من الروح، و « مِنْ » إمَّا لبيانِ الجنس، وإما للتبعيض.
قوله « أنْ أنْذِرُوا » في « أنْ » ثلاثة أوجهٍ :
أحدها : أنَّها المفسرة؛ لأن الوحي فيه ضرب من [ القول ]، والإنزال بالروح عبارةٌ عن الوحي؛ قال تعالى :﴿ وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا ﴾ [ الشورى : ٥٢ ] وقال :﴿ يُلْقِي الروح مِنْ أَمْرِهِ على مَن يَشَآءُ مِنْ عِبَادِهِ ﴾ [ غافر : ١٥ ].
الثاني : أنها المخففة من الثقيلة، واسمها ضمير الشأن محذوف، تقديره : أنَّ الشأن أقول لكم : أنه لا إله إلا أنا، قاله الزمخشري.
الثالث : أنها المصدرية التي من شأنها نصب المضارع، ووصلت بالأمر؛ كقولهم : كتبت إليه بأن قُمْ، وتقدم البحث فيه.
فإن قلنا : إنَّها المفسرة فلا محلَّ لها، وإن قلنا : إنها المخففة، أو الناصبة ففي محلّها ثلاثة أوجهٍ :
أحدها : أنَّها مجرورة المحل بدلاً من « الرُّوحِ » لأنَّ التوحيد روحٌ تحيا به النفوس.
الثاني : أنَّها في محل جرٍّ على إسقاطِ الخافض؛ كما هو مذهب الخليل.
الثالث : أنَّها في محلِّ نصبٍ على إسقاطه؛ وهو مذهب سيبويه.
والأصل : بأن أنذروا؛ فلما حذف الجار جرى الخلاف المشهور.
قوله :﴿ أَنَّهُ لاَ إله إِلاَّ أَنَاْ ﴾ هو مفعول الإنذار، والإنذار قد يكون بمعنى الإعلام؛ يقال : أنْذرتهُ، وأنْذَرتهُ بكذا، أي : أعلموهم بالتوحيد.


الصفحة التالية
Icon