﴿ وَلَقَدْ خَلَقْنَا &
١٦٤٩; لإِنْسَانَ مِن سُلاَلَةٍ مِّن طِينٍ ﴾
[ المؤمنون : ١٢ ] الآيات إلاَّ أنِّه - تعالى - اختصرها ها هنا استغناء بذكرها هناك.
قال الواحديُّ رحمه الله : الخصيمُ بمعنى المخاصم. وقال أهل اللغة : خصِيمُكَ الذي يُخاصِمُك، وفعيل بمعنى مفاعل معروف، كالنَّسيبِ والعَشيرِ.
ووجه الاستدلال بكونه خصيماً على وجود الإله المدبِّر الحكيم : أنَّ [ النفوس ] الإنسانيَّة في أولِ الفطرة أقلُ فهماً وذكاةءً من نفوس سائر الحيوانات؛ ألا ترى أنَّ ولد الدجاجة حالما يخرج من قشر البيضةِ يميِّزُ التصديق والعدوَّ، ويهرب من الهرَّةِ، ويلتجيءُ إلى الأمِّ ويميزُ الغذاء الموافق، والغذاء الذي لم يوافق.
وأمَّا ولد الإنسان فإنَّه حال انفصاله من بطنِ الأمِّ لا يميزُ البتَّة بين العدوِّ والصديق ولا بين الضارِّ والنافع، فظهر أن الإنسان في أولِ الفطرة أقلُ فهماً وذكاءً من نفوس سائر الحيوانات؛ ألا ترى أنَّ ولد الدجاجة حالما يخرج من قشر البيضةِ يميِّزُ الصديق والعدوَّ، ويهرب من الهرَّةِ، ويلتجئُ إلى الأمِّ ويميزُ الغذاء الموافق، والغذاء الذي لم يوافق.
وأمَّا ولد الإنسان فإنَّه حال انفصاله من بطنِ الأمِّ لا يميزُ البتَّة بين العدوِّ والصديق ولا بين الضارِّ والنافع، فظهر أنَّ الإنسان في أول الحدوثِ أنقص حالاً، وأقلُّ فطنة من سائر الحيوانات.
ثم إنَّ الإنسان بعد كبره يقوى عقله ويعظم فهمه، ويصير بحيث يقوى على مساحة السماوات والأرض، وقوى على معرفة الله - عزَّ وجلَّ - وصفاته، وعلى معرفة أصناف المخلوقات من الأرواح والأجسام والفلكيات والعنصريات، ويقوى على إيراد الشبهات القوية في دين الله - تعالى - والخصومات الشديدة في كل المطالب، فانتقال نفس الإنسان من تلك البلادة المفرطة إلى هذه الكياسة المفرطة لا بدَّ وأن يكون بتدبير مدبر مختارٍ حكيم بنقل الأرواحِ من نقصانها إلى كمالاتها، ومن جهالاتها غلى معارفها بحسب الحكمةِ والاختيارِ فهذا هو المراد من قوله تعالى :﴿ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُّبِينٌ ﴾.
الأول : أنه يجادل عن نفسه منازعاً للخصوم بعد أن كان نطفة قذرة وجماداً، لا حسَّ فيه ولا حركة، والمقصود منه أنَّ الانتقال من تلك الحالةِ الخسيسة إلى هذه الحالةِ العالية الشريفة لا يحصل إلا بتدبير مدبرٍ حكيم.
والثاني : فإذا هو خصيمٌ لربِّه، منكر على خالقه، قائل :﴿ مَن يُحيِي العظام وَهِيَ رَمِيمٌ ﴾ [ يس : ٧٨ ] والغرض وصف الإنسان بالإفراط في الوقاحة والجهل والتَّمادي في كفران النِّعمة.
كما نقل أنَّها نزلت في أبي بن خلفٍ الجمحي؛ وكان ينكر البعث جاء بعظمٍ رميمٍ، فقال للنبي ﷺ : أتقول إنَّ الله - تعالى - يحيي هذه بعدما قد رُمّ؟.
والصحيح أنَّ الآية عامة؛ لأنَّ هذه الآيات ذكرت لتقرير الاستدلال على وجودِ الصَّانع الحكيم لا لتقرير وقاحةِ النَّاسِ وتماديهم في الكفر والكفران.
قوله تعالى :﴿ والأنعام خَلَقَهَا لَكُمْ ﴾ الآية هذه الدلالة الثالثة؛ لأنَّ أشرف الأجساد الموجودة في العالم السفليِّ بعد الإنسان سائرُ الحيوانات لاختصاصها بالقوى الشريفة، وهي الحواسُّ الظاهرة والباطنة والشهوةُ والغضب.


الصفحة التالية
Icon