والهَواءُ : الخَالِي من الأجسامِ ويُعبَّرُ به عن الجُبْنِ، يقال : جوفهُ هواء، أي : فارغ؛ قال زهيرٌ :[ الوافر ]
٣٢٤٢ كَانَّ الرَّجلَ مِنْهَا فوقَ صَعْل | مِنَ الظِّلمانِ جُؤجؤهُ هَواءُ |
٣٢٤٣........................ | فانْتَ مُجَوَّفٌ نَخْبٌ هَواءُ |
والمعنى : أنَّ قلوب الكفار خالية يوم القيامة عن جمع الخواطر، والأفكار لعظم ما نالهم من الحيرة لما تحقَّقوهُ من العذاب، وخيالة من كلِّ سرور لكثرة ما هم فيه من الحزِنِ.
قوله :﴿ وَأَنذِرِ الناس يَوْمَ يَأْتِيهِمُ العذاب ﴾ قال أبو البقاء :﴿ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ ﴾ معفول ثان ل :« أنْذر »، أي : خوفهم عذاب يوم، وكذا قاله الزمخشريُّ.
وفيه نظرٌ، إذ يؤول إلى قولك : أنذرهم عذاب يوم يأتيهم العذاب، ولا حاجة إلى ذلك، ولا جائز أن يكون ظرفاً؛ لأنَّ ذلك اليوم لا إنذار فيه سواء قيل : إنه يوم القيامة، أو يوم هلاكهم، أو يوم تلقاهم الملائكةُ.
والألف واللام في :« العَذابُ » للمعهود السَّابق، أي : وأنذرهم يوم يأتيهم العذاب الذي تقدَّم ذكره، وهو شخوصُ الأبصار، وكونهم مهطعين مقنعي رءوسهم.
فصل
حمل أبو مسلم قوله :﴿ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ العذاب ﴾ على أنه حال المعاينة، لأنَّ هذه الآية شبيهة بقوله تعالى :﴿ وَأَنفِقُواْ مِن مَّا رَزَقْنَاكُمْ مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الموت فَيَقُولُ رَبِّ لولاا أخرتني إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصالحين ﴾ [ المنافقون : ١٠ ]، وظاهر الآية يشهد بخلافه؛ لأنه تعالى وصف اليوم بأن العذاب يأتيهم فيه، وأنهم يسألون الرجعة، ويقال لهم :﴿ أَوَلَمْ تكونوا أَقْسَمْتُمْ مِّن قَبْلُ مَا لَكُمْ مِّن زَوَالٍ ﴾ ؟ ولا يليق ذلك إلا بيوم القيامة.
ثمَّ حكى تعالى عنهم ما يقولون في ذلك اليوم :﴿ فَيَقُولُ الذين ظلموا رَبَّنَآ أَخِّرْنَآ إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ ﴾ قال بعضهم : طلبوا الرجعة إلى الدنيا ليتلافوا ما فرَّطوا فيه.
وقيل : طلبوا الرُّجوع إلى حال التَّكليف لقولهم :﴿ نُّجِبْ دَعْوَتَكَ وَنَتَّبِعِ الرسل ﴾، فقوله :« نُجِبْ » جواب الأمرِ.
قوله :﴿ أَوَلَمْ تكونوا أَقْسَمْتُمْ ﴾ قال الزمشخري :« على إرادة القول وفيه وجهان : أن تقولوا ذلك أشراً وبطراً، أو تقولوه بلسان الحال حيث بنوة شديداً، وأملوا بعيداً ».
و « مَا لكُمْ » جواب القسم، وإنَّما جاء بلفظ الخطاب لقوله :« أقْسَمْتُمْ »، ولو جاء بلفظ المقسمين لقيل :« مَا لنَا ».
وقدَّر أبو حيَّان ذلك القول هنا من قول الله عزَّ وجلَّ أو الملائكة عليهم السلام أي : فيقال لهم :« أو لم تكونوا »، وهوأظهر من الأول، أعني؟ : جريان القول من غيرهم لا منهم، والمعنى :﴿ أَوَلَمْ تكونوا أَقْسَمْتُمْ ﴾ أراد قوله :