قوله :﴿ وعلى الله قَصْدُ السبيل ﴾ الآية والمعنى : إنما ذكرت هذه الدلائل وشرحتها؛ إزاحةً للعذرِ؛ وإزالة للعلَّة ﴿ لِّيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ ﴾ [ الأنفال : ٤٢ ].
قوله :﴿ وَمِنْهَا جَآئِرٌ ﴾ الضمير يعود على السبيل؛ لأنَّها تؤنث ﴿ قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي ﴾ [ يوسف : ١٠٨ ] أو لأنَّها في معنى سُبلٍ، فأنَّث على معنى الجمع، والقَصْدُ مصدرٌ يوصف به فهو بمعنى قاصد، يقال : سبيلٌ قصدٌ وقاصدٌ، أي : مستقيمٌ، كأنه يَقْصِدُ الوجه الذي يؤمه السالك لا يعدل عنه.
وقيل : الضمير يعود على الخلائق؛ ويؤيده قراءة عيسى، وما في مصحف عبد الله :« ومِنْكُمْ جَائِرٌ »، وقراءة عليّ :« فَمِنكُْ جَائِرٌ » بالفاء.
وقيل :« ألْ » في « السَّبيلِ » للعهد؛ وعلى هذا يعود الضمير على السبيل التي تتضمنها معنى الآية؛ لأنَّه قيل : ومن السبيل فأعاد عليها، وإن لم يجر له ذكر؛ لأنَّ مقابلها يدلُّ عليها، وأما إذا كانت « ألْ » للجنس فيعود على لفظها.
والجَوْرُ : العدول عن الاستقامة؛ قال النابغة :[ الطويل ]

٣٣٠١-..................... يَجُورُ بِهَا المَلاَّحُ طَوْراً ويَهْتَدِي
وقال آخر :[ الكامل ]
٣٠٢- ومِنَ الطَّريقَةِ جَائِرٌ وهُدًى قَصْدُ السَّبيلِ ومِنْهُ ذُو دَخْلِ
وقال أبو البقاء : و « قَصْدُ » مصدرٌ بمعنى إقامة السَّبيل، أو تعديل السبيل، وليس مصدر قصدته بمعنى أتَيْتهُ.

فصل


قوله :﴿ وعلى الله قَصْدُ السبيل ﴾ يعني بيان طريق الهدى من الضَّلالة، وقيل : بيان الحقِّ من الباطل بالآيات والبراهين، والقصد : الصراط المستقيم.
﴿ وَمِنْهَا جَآئِرٌ ﴾ يعني : ومن السَّبيل جائر عن الاستقامة معوجّ، والقصد من السبيل دينً الإسلامِ، والجائر منها : اليهوديَّة والنَّصرانيةُ وسائر مللِ الكفرِ.
قال جابر بن عبد الله :« قَصْدُ السَّبيلِ » بيانُ الشَّرائع والفرائض.
وقال ابن المبارك وسهل بن عبد الله :« قَصْدُ السَّبيلِ » السنة، « ومِنْهَا جَائِرٌ » الأهواء والبدع؛ لقوله تعالى :﴿ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلاَ تَتَّبِعُواْ السُّبُلَ ﴾ [ الأنعام : ١٥٣ ].

فصل


قالت المعتزلة : دلت الآية على أنَّه يجب على الله الإرشاد والهداية إلى الدِّين وإزالةُ العلل [ والأعذار ] ؛ لقوله ﴿ وعلى الله قَصْدُ السبيل ﴾ وكلمة « عَلَى » للوجوب، قال تعالى :﴿ وَلِلّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ ﴾ [ آل عمران : ٩٧ ] ودلت الآية أيضاً على أنه تعالى لا يضلُّ أحداً ولا يغويه ولا يصده عنه، لأنه لو كان - تعالى - فاعلاً للضَّلال؛ لقال ﴿ وعلى الله قَصْدُ السبيل ﴾ وعليه جائرها، أو قال : وعليه الجائر فلمَّا لم يقل ذلك، بل قال في قصد السبيل أنه عليه، ولم يقل في جور السبيل أنه عليه، بل قال :« ومِنْهَا جَائِرٌ » دلَّ على أنَّه - تعالى - لا يضلُّ عن الدينِ أحداً.
وأجيب : بأنَّ المراد على أنَّ الله - تعالى - بحسب الفضلِ والكرمِ؛ أن يبين الدِّين الحق، والمذهب الصحيح، فأما أن يبين كيفية الإغواء والإضلال؛ فذلك غير واجب.


الصفحة التالية
Icon