والمَاخُورُ : الموضع الذي يباع فيه الخمر، و « تَرَى » هنا بصرية فقط.
قوله ﴿ وَلِتَبْتَغُواْ ﴾ فيه ثلاثة أوجه :
أحدها : عطفٌ على « لِتَأكُلوا » وما بينهما اعتراضٌ كما تقدم، وهذا هو الظاهر.
وثانيها : أنه عطفٌ على علَّةٍ محذوفةٍ، تقديره : لتنتفعوا بذلك ولتبتغوا، ذكره ابن الأنباري.
وثالثها : أنه متعلق بفعلٍ محذوفٍ، أي : فعل ذلك لتبتغوا. وفيهما تكلُّف لا حاجة إليه.
ومعنى ﴿ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ ﴾ يعني : لتركبوها للتجارة؛ لتطلبوا الرِّبْحَ من فضلِ الله، فإذا وجدتم فضل الله فلعلكم تشكرونه.
قوله تعالى :﴿ وألقى فِي الأرض رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُم ﴾ والمقصود منه : ذكرُ بعض النعم التي خلقها الله في الأرض، وتقدم ذكر الرواسي.
قوله ﴿ أَن تَمِيدَ بِكُم ﴾ أي : كراهة أن تميدَ، أو لئلاَّ تميد، أي : تتحرَّك، والميدُ : هو الاضطرابُ [ والتكفؤ ]، ومنه قيل للدوار الذي يعتري راكب البحرِ : ميدٌ.
قال وهب :« لما خلق الله الأرض جعلت تمورُ؛ فقالت الملائكة : إنَّ هذه غير مقرَّة أحدٍ على ظهرها، [ فأصبحت ] وقد أُرسيتْ بالجبالِ، فلم تدر الملائكة ممَّ خلقت الجبال؛ كالسفينة إذا ألقيت في الماءِ، فإنها تميل من جانب إلى جانب، وتضطرب، فإذا وضعت الأجرام الثقيلة فيها، استقرت على وجه الماء ».
قال ابن الخطيب - رحمه الله - وهذا مشكلٌ من وجوهٍ :
الأول : أنَّ هذا التعليل؛ إمَّا أن يكون مع القولِ بأن حركاتِ هذه الأجسام بطبعها، أو ليست بطبعها؛ بل هي واقعةٌ بتحريكِ الفاعل المختارِ، أمَّا على التقدير الأول فمشكلٌ؛ لأن الأرض أثقل من الماءِ، والأثقل من الماء يغوص في الماءِ، ولا يبقى طافياً عليه، وإذا لم يبق طافياً، امتنع أن يقال : إنَّها تميلُ، وتميدُ وتضطرب، وهذا بخلاف السفينة؛ لأنها متخذة من الخشب، وفي داخل الخشب تجويفات مملوءة من الهواء، فلهذا السَّبب تبقى الخشبةُ طافية على الماء، [ فحينئذ ] تميل وتميد وتضطرب على وجه الماء، فإذا أرسيت بالأجرام الثقيلة، استقرت وسكنت؛ فافترقا.
وأمَّا على التقدير الثاني : وهو أنَّه ليس للأرض والماء طبع يوجب الثقل والرسوب، وإنَّما - الله تعالى - أجرى عادته بجعلها كذلك، وصار الماء محيطاً بالأرض لمجردِ إجراءِ العادة، وليس ههنا طبيعة للأرض، ولا للماء، توجب حالة مخصوصة، فعلى هذا التقدير؛ علَّة سكون الأرض : هي أنَّ الله - تعالى - خلق فيها السكون.
وعلة كونها مائدة مضطربة : هي أنَّ الله يخلق فيها الحركة، وعلى هذا، فيفسد القول بأنَّ الأرض كانت مائدة مائلة، فخلق الله تعالى الجبال وأرساها بها؛ لتبقى ساكنة؛ لأنَّ هذا إنما يصح إذا كانت طبيعة الأرض توجبُ الميلان، وطبيعة الجبال توجبُ الإرساء، والثبات، ونحن نتكلم على تقدير نفي الطبائع الموجبة لهذه الأحوال، فثبت أن هذا التعليل مشكلٌ على كلِّ تقديرٍ.