قوله تعالى :﴿ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ الله لاَ تُحْصُوهَآ ﴾ لمَّا بيَّن أنَّ الاشتغال بعبادة غير الله باطلٌ، بيَّن ههنا أنَّ العبد لا يمكنه الإتيانُ بعبادة الله، وشكر نعمه على سبيل التَّمامِ، والكمال، بل العبد وإن أتعب نفسه في القيام بالطاعاتِ، والعبادات، وبالغ في شُكْرِ نعم الله؛ فإنه يكون مقصِّراً؛ لأنَّ الاشتغال بشكر النِّعم مشترطٌ بعلمه بتلك النعم على سبيل التفصيل، فإنَّ من لا يكون متصوراً، ولا مفهوماً بمتنع الاشتغال بشكره، والعلم بنعمة الله على سبيل التفصيل غير حاصل للعبد؛ لأنَّ نعم الله كثيرة، وأقسامها عظيمة، وعقول الخلق قاصرة عن الإحاطة بمبادئها فضلاً عن غايتها، لكنَّ الطريق إلى ذلك أن يشكر الله على جميع نعمه مفصَّلها، ومجملها.
ثم قال - جلَّ ذكره- :﴿ إِنَّ الله لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ ﴾، « لَغَفُورٌ » لتقصيركم في شكر نعمه، « رَحِيمٌ » بكم حيث لم يقطع نعمه عنكم لتقصيركم. قال بعضهم : إنَّه ليس لله على [ الكافر ] نعمةٌ. وقال الأكثرون : لله على الكافر والمؤمن نعمٌ كثيرةٌ؛ لأنَّ الإنعامَ بخلق السمواتِ، والأرض، وخلق الإنسان من نطفةٍ، والإنعام بخلق الخيلِ، والبغال والحمير، وجميع المخلوقات المذكورة للإنعام يشترك فيها المؤمن، والكافر.
قوله تعالى :﴿ والله يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ ﴾ قرأ العامة « تُسِرُّونَ » و « تُعْلِنُونَ » بناء الخطاب، وأبو جعفرٍ، وشيبة بالياء من تحت، وقرأ عاصم وحده :« يَدْعُونَ » بالياء، والباقون بالتاء من فوق، وقراءة « يُدْعَونَ » مبنيًّا للمفعول، وهن واضحات، والمعنى : أنَّ الكفار كانوا مع اشتغالهم بعبادة غير الله يسرُّون ضروباً من المكر بمكايد الرسول؛ فذكر هذا زجراً لهم عنها.
قوله تعالى :﴿ والذين يَدْعُونَ مِن دُونِ الله لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً وَهُمْ يُخْلَقُونَ ﴾ تكريرٌ؛ لأن قوله تعالى :﴿ أَفَمَن يَخْلُقُ ﴾ يدلُّ على أنَّ الأصنام لا تخلق شيئاً.
فالجواب : أنَّ الأول أنَّهم لا يخلقون شيئاً، وههنا أنَّهم لا يخلقون شيئاً، وأنهم مخلوقون كغيرهم؛ فكان هذا زيادة في المعنى.
قوله « أمْوات » يجوز أن يكون خبراً ثانياً، أي : وهم يخلقون وهم أمواتٌ، ويجوز أن يكون « يُخْلَقُونَ »، و « أمْواتٌ » كلاهما خبر من باب : هذا حُلْوٌ حَامِضٌ ذكره أبو البقاء رحمه الله تعالى، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ مضمر، أي : هم أمواتٌ.
قوله :﴿ غَيْرُ أَحْيَآءٍ ﴾ يجوز فيه ما تقدم ويكون تأكيداً.
وقال أبو البقاء : ويجوز أن يكون قصد بها أنهم في الحال غير أحياء؛ ليدفع به توهُّم أنَّ قوله تعالى :﴿ أَمْوَاتٌ ﴾ فيما بعد، إذ قال تعالى :﴿ إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيِّتُونَ ﴾ [ الزمر : ٣٠ ].
قال شهابُ الدِّين :« وهذا لا يخرجه عن التأكيد الذي ذكره قبل ذلك ».

فصل في وصف الأصنام


اعلم أنه - تعالى - وصف الأصنام بصفات :
أولها : أنها لا تخلق شيئاً.


الصفحة التالية
Icon