ومذهبه : أن يقدر بين حرف العطف وهمزة الاستفهام جملة يعطف عليها ما بعدها.
وقد فعل هذا أعني الرجوع إلى قول الجمهور في سورة الأعراف كما نبَّه عليه في موضعه.
قوله :« مِنْ قَبْلُ » أي : من قبل بعضه، وقدره الزمخشري : من قبل الحالة التي هو فيها، « وهي حالة » بقائه.
فصل
قال بعض العلماء : لو اجتمع كل الخلائق على إيراد حجة في البعث على هذا الاختصار ما قدروا عليه، إذ لا شك أنَّ اعادة ثانياً أهون من الإيجاد أولاً، ونظيره قوله تعالى ﴿ قُلْ يُحْيِيهَا الذي أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ ﴾ [ يس : ٧٩ ]، وقوله :﴿ وَهُوَ الذي يَبْدَأُ الخلق ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ ﴾ [ الروم : ٢٧ ] واحتجوا بهذه الآية على أنَّ المعدوم ليس بشيء، وهو ضعيف؛ لأن الإنسان عبارة عن مجموع جواهر متألفة قامت بها أعراض، وهذا المجموع ما كان شيئاً، ولكن لم قلت : إن كل واحد من تلك الأجزاء ما كان شيئاً قبل كونه موجوداً فإن قيل : كيف أمر الله -تعالى- الإنسان بالتذكر مع أنَّ التذكر هو العلم بما علمه من قبل ثم تخللهما سهو؟.
فالجواب : المراد أو لا يتفكر فيعلم خصوصاً إذا قرئ « أو لا يذَّكَّرُ » مشدداً، أما إذا قرئ « أو لا يذكُرُ » مخففاً، فالمراد أو لا يعلم ذلك من حال نفسه لأنَّ كل أحد يعلم أنه لم يكن حيًّا في الدنيا ثم صار حيًّا.
ثم إنه تعالى لما قرر المطلوب بالدليل أردفه بالتشديد فقال ﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ والشياطين ﴾ أي : لنجمعنهم في المعاد، يعني المشركين المنكرين للبعث مع الشياطين، وذلك أنه يحشر كل كافر مع شيطان في سلسلة.
وفائدة القسم أمران : أحدهما : أنَّ العادة جارية بتأكيد الخبر باليمين.
والثاني : أنَّ في قسام الله -تعالى- باسمه مضافاً إلى رسول الله ﷺ رفعاً منه لشأنه كما رفع من شأن السماء والأرض في قوله :﴿ فَوَرَبِّ السمآء والأرض إِنَّهُ لَحَقٌّ ﴾ [ الذاريات : ٢٣ ]. والواو في « والشَّياطين » يجوز أن تكون للعطف، وبمعنى « مع » وهي بمعنى « مع » أوقع. والمعنى، أنهم يحشرون مع قرنائهم من الشياطين الذين أغروهم. ﴿ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ ﴾ أي : نحضرهم على أذل صورة لقوله :« جِثِيًّا » لأنَّ البارك على ركبتيه صورته الذليل، أو صورة العاجز.
فإن قيل : هذا المعنى حاصل للكل لقوله :﴿ وترى كُلَّ أُمَّةٍ جَاثِيَةً ﴾ [ الجاثية : ٢٨ ]، ولأنَّ العادة جارية بأنَّ الناس في مواقف مطالبات الملوك يتجاثون على ركبهم لما في ذلك من القلق، أة لما يدهمهم من شدة الأمر التي لا يطيقون معه القيام على أرجلهم وإذا كان حاصلاً للكل، فكيف يدل على مزيد ذل الكفار.