و « أهْلَكْنَا » متسلط على « كَمْ »، أي : كثير من القرون أهلكنا.
و « مِنْ قَرْنٍ » تمييز ل « كَمْ » مبين لها.
قوله :« هُمْ أحْسَنُ » في هذه الجملة وجهان :
أحدهما : وإليه ذهب الزمخشري وأبو البقاء : أنَّه في محل نصب صفة ل « كَمْ » قال الزمخشري : ألا ترى أنك لو أسقطت « هُمْ » لم يكن بُدّ من نصب « أحْسَنُ » على الوصفية.
وفي هذا نظرٌ، لأنَّ النحويين نصوا على أنَّ « كَمْ » الاستفهامية والخبرية لا تُوصف ولا يُوصف بها.
الثاني : أنها في محل جرّ صفة ل « قَرْن »، ولا محذور في هذا. وإنما جمع في قوله :« هُمْ »، لأنَّ « قَرْنٍ » وإنْ كَانَ لَفظهُ « مفرداً فمعناه جمع، ف » قَرْن « كلفظ » جَمِيع «، و » جَمِيع « يجوز مراعاة لفظه تارة فيفرد كقوله تعالى ﴿ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ ﴾ [ القمر : ٤٤ ]، ومراعاة معناه أخرى فيجمع كقوله :﴿ لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ ﴾ [ يس : ٣٢ ].
فصل
لمَّا ذكروا شبهتهم أجاب الله عنها بقوله :﴿ وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مِّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً وَرِءْياً ﴾ أي : متاعاً وأموالاً.
قوله :» ورئيا « الجمهور على » رِئْياً « بهمزة ساكنة بعدها ياء صريحة وصلاً ووقفاً. وحمزة إذا وقف يبدل هذه الهمزة ياء على أصله في تخفيف الهمز، ثم له بعد ذلك وجهان : الإظهار اعتباراً بالأصل، والإدغام اعتباراً باللفظ.
وفي الإظهار صعوبة لا تَخْفَى، وفي الإدغام إيهام أنَّها مادة أخرى، وهو الريُّ الذي هو بمعنى الامتلاء والنضارة، ولذلك ترك أبو عمرو وأصله في تخفيف الهمزة.
وقرأ قالون عن نافع، وابن ذكوان عن ابن عامر » ورِيًّا « بياء مشددة بعد الراء.
فقيل : هي مهموزة الأصل، ثم أبدلتِ الهمزةُ ياء، وأدغمتْ. والرِّئْيُ بالهمز وقيل : من رؤية العين، وفعلٌ فيه معنى مفعول أي : مَرْئِيٌّ. وقيل : من الرواء وحسن المنظر. وقيل : بل هو من الريّ ضد العطش، وليس مهموز الأصل، والمعنى : أحسن منظراً، لأنَّ الريّ والامتلاء أحسن من ضديهما، ومعناه الارتواء من النعمة، فإنَّ المُنْعم يظهر فيه ارتواء النعمة، والفقير يظهر عليه ذبول الفقر. وقرأ حميد وأبو بكر عن عاصم في رواية الأعمش : وَرِيْئَا » بياء ساكنة بعدها همزة وهو مقلوب من « رِئْياً » في قراءة العامة، ووزنه « فِلْع »، وهو من وراءه يراؤه كقول الشاعر :
٣٦٢٠- وكُلُّ خليلٍ رَاءَنِي فَهُوَ قَائِلٌ | من أجْلِكِ هذا هامةُ اليَوْمِ أوْ غَدِ |