وقيل : هي بمعنى « على »، وهذا لا حاجة إليه، بل لا يظهر له معنى، « و لُدَّا » جمع « ألَدَّ »، وهو الشديد الخصومة كالحُمْر جمع أحْمَرٍ.
قال أهل اللغة : اللُّدُّ جمع الألَدّ، وهو المعوج في المناظرة الرواغ من الحق الميال عنه، وفي الحديث « إنَّ أبغضَ الرِّجال إلى الله الخَصْمُ الألَدُّ » أي المعوج « قوله :» يَسَرْنَاهُ « سهلناهُ يعني القرآن » بِلِسَانِكَ « يا محمد » لِنُبَشِّر به المتَّقِين « يعني المؤمنين، وهذا كلام مستأنف » بيَّن به عظيم « موقع هذه السورة لما فيها من ذكر التوحيد والنبوة والحشر، والرد على فرق المبطلين، فبين - تعالى- أنَّه يسَّر ذلك بلسانه، ليبشر وينذر، ولولا أنه - تعالى- نقل قصصهم إلى اللغة العربية لما تيسَّر لك على الرسول. وكما ذكر أنه يبشر به المتقين ذكر في مقابلته من هو في مخالفة التقوى أبلغ، وهو الألد الذي يتمسك بالباطل ويجادل فيه فقال :» ويُنْذِرَ بِهِ قَوْماً لُدَّا «، وهو جمع الألد، » وهو الشديد الخصومة. وقال مجاهد : هو الظالم الذي لا يستقيم. وقال أبو عبيدة الألد « الذي لا يقبل الحقَّ ويدَّعي الباطل. وق الحسن : الألد الأصم عن الحق.
ثم ختم السورة بموعظةٍ بليغة فقال :»
وكمْ أهْلَكٍنَا قبلهُمْ مِنْ قرنٍ « لأنهم إذا تأملوا وعلموا أنه لا بد من زوال الدنيا، وأنه لا بد فيها من الموت خافوا سوء العاقبة في الآخرة فكانوا إلى الحذر من المعاصي أقرب، ثم أكد تعالى ذلك فقال :﴿ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِّنْ أَحَدٍ ﴾. قرأ الناس بضم التاء وكسر الحاء من أحسَّ.
وقرأ أبو حيوة، وأبو جعفر، وابن أبي عبلة »
نَحُسُّ « » بفتح التاء وضم الحاء « وقرأ بعضهم :» تَحِس « بالفتح والكسر، من حسَّه : أي شعر به، ومنه الحواس الخمس. و » مِنْهُم « حال من » أحَد «، إذ هو في الأصل صفة له. و » مِنْ أحَد « مفعول زيدت فيه » مِنْ. وقرأ حنظلة « تُسْمَعُ » بضم التاء وفتح الميم مبنياً للمفعول. و « رِكْزاً » مفعول على كلتا القارءتين، إلا أنه مفعول ثان في القراءة « الشاذة ». والرَِّكْزُ : الصوت الخفي دون نطق بحروف ولا فم، « ومنه ركز الرمح أي غيب طرفه في الأرض وأخفاه، ومنه الرِّكاز، وهو المال المدفون لخفائه واستتاره، وأنشدوا :

٣٦٣٦- فَتَوجَّسَتْ رَكْزَ الأنيسِ فَراعَها عَنْ ظَهْرِ غَيْبٍ، والأنيسُ سَقامُهَا

فصل


قال المفسرون :»
هّلْ تُحِسُّ «، وقيل : هل تجد.
»
مِنْهُم مِنْ أحَدٍ «، لأنَّ الرسول - عليه السلام- إذا لم يحسّ منهم أحداً برؤية وإدراك ووجدان، ولا يسمع لهم ركزاً، أي : صوتاً خفياً دلَّ ذلك على انقراضهم وفنائهم بالكلية.
قال الحسن : بادوا جميعاً، يبق عين ولا أثر.
روى الثعلبي عن أبي بن كعب قال : قال رسول الله ﷺ »
من قرأ سورة مريم أعطي من الأجر بعدد من صدق بزكريا، ويحيى، وعيسى، وموسى، وهارون، وإبراهيم، وإسحاق، ويعقوب، وإسماعيل عشر حسنات، وبعدد من دعا لله ولداً، وبعدد من لم يدع له ولداً «.


الصفحة التالية
Icon