والثاني : أنه أبدل الهمزة ألفاً، كأنه أخذه من وطئ يطأ بالبدل كقوله :

٣٦٣٩-.......................... .......... لاَ هَنَاكِ المَرْتَعُ
ثم حذف الألف حملاً للأمر على المجزوم، وتناسباً لأصل الهمز ثم ألحق هاء السكت، وأجرى الوصل مجرى الوقف وقد تقدم في أول يونس الكلام على إمالة « طا » و « ها ». قوله :« أنْزَلْنَا » هذه قراءة العامة.
وقرأ طلحة :« مَا نُزِّلَ » مبنياً للمفعول « القُرْآن » رفع لقيامه مقام فاعله.
وهذه الجملة يجوز أن تكون مستأنفة إن جعلت « طَهَ » تعديداً لأسماء الحروف. ويجوز أن تكون خبراً ل ( طَهَ ) إن جعلتها اسماً للسورة، ويكون القرآن ظاهراً واقعاً موقع المضمر؛ لأنَّ ( طه ) قرآن أيضاً، ويجوز أن تكون ( جواب قسم ) إنْ جعلت ( طَهَ ) مقسماً به. وقد تقدَّم تفصيل ذلك.

فصل


قال الكلبي : لمَّا أنزل على النبي ﷺ الوحي بمكة اجتهد في العبادة حتى كان بين قدميه في الصلاة لطول قيامه، وكان يصلي الليل كله، فأنزل الله هذه الآية، وأمره أن يخفف على نفسه فقال :﴿ مَآ أَنَزَلْنَا عَلَيْكَ القرآن لتشقى ﴾ [ طه : ٢ ].
وقيل : لما رأى المشركون اجتهاده في العبادة قالوا : إنَّك لتشقى حين تركت دين آبائك أي : لتتعنَّى وتَتْعَب وما أنزل عليك القرآن يا محمد لشقائك، فنزلت :« مَا أنْزَلْنَا عَلَيْكَ القُرْآنَ لِتَشْقَى ». وأصلُ الشقاء في اللغة العناء.
وقيل المعنى : إنَّك لاَ ترم على كفر قومك كقوله :« لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ » وقوله ﴿ وَمَآ أَنتَ عَلَيْهِم بِوَكِيلٍ ﴾ [ الأنعام : ١٠٦ ]، أي : إنك لا تؤاخذ بذنبهم.
وقيل : إنَّ هذه السورة من أوائل ما نزل بمكة، وكان عليه السلام في ذلك الوقت مقهوراً تحت ذل الأعداء، فكأنه تعالى قال : لا تظن أنَّك تبقى أبداً على هذه الحالة، بل يعلو أمرك ويظهر قدرك فإنا ما أنزلنا عليك مثل هذا القرآن لتبقى شقيًّا فيما بينهم بل لتصير معظماً مكرماً.
قوله :« إِلاَّ تَذْكِرَةً » في نصبه أوجه :
أحدها : أن يكون مفعولاً من أجله، والعامل فيه فعل الإنزال، وكذلك « لِتَشْقَى » علة له أيضاً، ووجب مجيئ الأول مع اللام، لأنه ليس لفاعل الفعل المعلل ففاته شريطة الانتصاب على الفمعولية.
والثاني : جاز قطع اللام عنه ونصبه، لاستجماعه الشرائط هذا كلام الزمخشري، ثم قال : فإن قلت : هل يجوز أن تقول :« مَا أنْزَلْنَا أنْ تَشْقَى »، كقوله :« أنْ تَحْبَطَ أعْمَالُكُم » قلت : بلى ولكنها نصبة طارئة كالنصبة في « وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَه »، وأما النصبةُ في « تَذْكِرَةً » فهي كالتي في ضربت زيداً، لأنه أحد المفاعيل الخمسة التي هي أصول وقوانين لغيرها.


الصفحة التالية
Icon