أما القدرة فهي هذه الآية، والمعنى : أنه تعالى مالك لهذه الأقسام الأربعة فهو مالك لما في السموات من مَلَكٍ ونَجْم وغيرهما، ومالك لما في الأرض من المعادن والفلزات، ومالك لما بينهما من الهواء، ومالك لما تحت الثرى. قال الضحاك : يعني ما روى الثرى من شيء.
وقال ابن عباس : إن الأَرضينَ على ظهر النون، والنون على بحر ورأسه وذنبه يلتقيان تحت العرش، والبحر على صخرة خضراء اخضرت السموات منها. وهي الصخرة التي ذكر الله تعالى في قصة لقمان « فَتَطُنْ فِي صَخْرَةٍ »، والصخرة على قرن ثور، والثور على الثرى، و « مَا تَحْتَ الثَّرَى » لا يعلمه إلا الله تعالى. وذلك الثور فاتح فاه، فإذا جعل الله البحار بحراً واحداً سالت في جوف الثور فإذا وقعت في جوفه يبست.
وأما العلم فقوله :« وَإنْ تَجْهَرْ بِالقَوْلِ فَإنَّهُ يَعْلَمُ الشِّرَّ وَأَخْفَى » قال الحسن السر : ما أسر الرجل إلى غيره، وأخفى من ذلك ما أسر في نفسه. وعن ابن عباس وسعيد بن جبير : السر ما تسر في نفسك، وأخفى من السر : ما يلقيه الله في قلبك من بعد، ولا تعلم أنك ستحدث به نفسَك لأنك تعلم ما تسر اليوم ولا تعلم اليوم ولا تعلم ما تسر إذا، والله يعلم ما أسررت اليوم وما تسر غدا.
وقال عليّ بن أبي طلحة عن ابن عباس : السِّرُّ ما أٍر ابن آدم في نفسه، وأخفى : ما خفي عليه مما هو فاعله قبل أن يعلمه.
وقل مجاهد : السِّرُّ العمل الذي يُسِرُّ من الناس وأخفى : الوسوسة وقيل : السِّرُّ هو العزيمة ( وأخفى : ما يخطر على القلب ولم يعزم عليه. وقال زيد بن أسلم :« يَعْلَمُ السِّرَّ » وأخْفَى « أي : يعلم أسرار العباد، وأخفى سره من عباده فلا يعلمه أحد.
قوله :» وَأخْفَى « جوزوا فيه وجهين :
أحدهما : أنه أفعل تفضيل، أي : وأخفى من السر.
والثاني : أنه فعل ماض، أي : وأخفى عن عباده غيبه كقوله :» وَلاَ يُحيطُونَ بِهِ عِلْماً «.
قوله :» اللهُ لاَ إلهَ إِلاَّ هُوَ « الجلالة إما مبتدأ والجملة المنفية خبرها، وإما خبر لمبتدأ محذوف، أي هو الله. والحسنى تأنيثُ الحسنِ، وقد تقدم أن جمع التكسير في غير العقلاء يعامل معاملة المؤنثة الواحدة.
ولما ذكر صفاته وحَّدَ نَفْسَه فقال :» اللهُ لاَ إلهَ إلاَّ هوَ لَهُ الأسْمَاءُ الحُسْنَى «.
فصل
قالوا : كلمة » لا « ههنا دخلت على الماهية، فانتفت الماهية، وإذا انتفت الماهية تنتفي كل أفرادها. وإنما » اللهُ « اسم علم للذات المعينة، إذ لو كان كان اسم معنى لكان كلها محتملاً للكثرة فلم تكن هذه الكلمة مفيدة للتوحيد.
وقالوا :» لاَ « استحقت عمل » إِنَّ « لمشابهتها لها من وجهين :
الأول : ملازمة الأسماء.