قال القاضي : لا يمتنع أن موسى عليه السلام -قد عرف الصلاة إلى تعبُّدَ الله تعالى -بها شُعَيْباً- عليه السلام- وغيره من الأنبياء، فتوجه الخطاب إلى ذلك، ويحتمل أنه تعالى بيَّن له في الحال، وإن كان المنقول في القرآن لم يذكر فه إلا هذا القول.
وأجيب عن الأول : بأنه لا يتوجه في قوله تعالى :« فَاعْبُدْنِي » وأيضاً فحَمْلُ مثل هذا الخطاب العظيم على فائدة جديدة أولى من حمله على أمر معلوم، لأن موسى -عليه السلام- ما كان يشك في وجوب الصلاة التي جاء بها شعيب -عليه السلام-، فلو حملنا قوله :« وَأَقِمْ الصَّلاَةَ لِذِكْرِي » على ذلك لم يحصل من هذا الخطاب العظيم فائدة زائدة، أما لو حملناه على صلاة أخرى لحصلت فائدة زائدة. وقوله : لعلَّ اللهَ بيَّنه في ذلك الموضع، وإن لم يحكه في القرآن قلنا : لا شك أن البيان ( أكثر فائدة ) من المجمل، فلو كان مذكوراً لكان أولى بالحكاية.
قوله :« لِذِكْرِي » يجوز أن يكون المصدرُ مضافاً لفاعله، أي : لأنِّي ذكرتُها في الكتب، أو لأني أذكرك. ( ويجوز أن يكون مضافاً لمفعوله، أي : لأنْ تَذْكُرْنِي ) وقل : معناه ذكر الصَّلاة بعد نسيانها، لقوله -عليه السلام- :« مَنْ أقَامَ عَنْ صَلاَةٍ أوْ نَسِيَهَا فَلْيُصلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا ».
قال الزمخشري : وكان حق العبارة لِذِكْرِهَا ثم قال : ومَنْ يَتمحّل له أن يقول إذا ذكر الصلاة فقد ذكر الله أو على حذف مضاف أي لِذِكِر صلاتي، أو لأن الذكر والنسيان من الله تعالى في الحقيقة وقرأ أبو رجاء والسلمي « لِلْذِكْرَى » بلام التعريف وألف التأنيث. وبعضهم :« لِذِكْرِي » منكَّرة وبعضهم :« لِلْذِّكْرِ » بالتعريف والتذكير.
فصل
ذكرُوا في قوله تعالى :« لِذِكْرِي » وجوهاً :
أحدها : لِذِكْرِي بمعنى لِتَذْكُرَنِي، فإنَّ ذِكْرِي أنْ أُعْبَدَ ويُصَلَّى لِي.
والثاني : لتَذْكُرني منها لاشتمال الصلاة على الأذكار؛ وعن مجاهد.
وثالثها : لأني ذكرتها في الكتب وأمرت بها.
ورابعها : لأن أَذْكُرَك بالمدح والثناء.
وخامسها : لِذِكْرِي خاصة لا يشوبه ذكرُ غيري.
وسادسها : لتكون لي ذاكراً غير ناس فعل المخلصين، كقوله :﴿ لاَّ تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلاَ بَيْعٌ عَن ذِكْرِ الله ﴾ [ النور : ٣٧ ].
وسابعها : لأوقات ذِكْرِي، وهي مواقيت الصلاة، لقوله :﴿ إِنَّ الصلاة كَانَتْ عَلَى المؤمنين كِتَاباً مَّوْقُوتاً ﴾ [ النساء : ١٠٣ ].
وثامنها : أقِم الصَّلاة حين تذكرها أي : إنَّكَ إذَا نسيتَ صلاةً فاقْضها إذا ذكرتَها، قال عليه السلام :« مَنْ نَسِيَ صَلاَةَ فَلْيُصَلِّهَا إذَا ذَكَرَهَا ولاَ كَفَّارَةَ لهَا إلاَّ ذلِك » ثم قرأ « أقِم الصَّلاَةَ ( لِذِكْرِي ). قال الخطَّابي هذا الحديث يحتمل وجهين :
أحدهما : لا يكفرها غير قضائها.
والآخر : أنه لا يلزمه فغي نسيانها غرامة، ولا كفارة، كما تلزم الكفارة في ترك صوم رمضان من غير عذر، وكما يلزم المحرم إذا ترك شيئاً فدية من دم أو طعام إنما يصلّي ما ترك فقط.