وذلك باطل لوجهين :
أحدهما : لقوله تعالى :﴿ إِنَّ الله عِندَهُ عِلْمُ الساعة ﴾ [ لقمان : ٣٤ ]
الثاني : إنَّ قوله :﴿ لتجزى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تسعى ﴾ إنما يليق بالإخفاء لا بالإظهار. ثم أجاب بوجوه : الأول : أنَّ « كَادَ » موضوع للمقاربة فقط من غير بيان النفي والإثبات، فقوله :« أَكَادُ أُخْفِيها » معناه : قرب الأمر فيه من الإخفاء. وأمَّا أنَّه هل حصل ذلك أو ما حصل فهو غير مستفاد من اللفظ بل بقرينة قوله :﴿ لتجزى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تسعى ﴾ فإن ذلك إنما يليق بالإخفاء لا بالإظهار.
الثاني : أنَّ « كَادَ » من الله : وجب، فمعنى قوله : أَكَادُ أُخْفِيَها « أي : أنا أُخْفِيها عن الخلق، كقوله :﴿ عسى أَن يَكُونَ قَرِيباً ﴾ [ الإسراء : ٥١ ] أي هو قريبٌ قاله الحسن. وذكر باقي التأويلات المتقدمة.
وقرأ أبُو الدرداء وابن جبير والحسن ومجاهد وحميد :» أَخْفِيَها « بفتح الهمزة والمعنى : أظهرها بالتأويل المتقدم، يقال : خَفَيْتُ الشيء : أظهرتُه وأخفيتُه سترتُه هذا هو المشهور وقد نقل عن أبي الخطاب أنَّ خَفَيْتُ وأَخْفَيْتُ بمعنى. وحكى عن أبي عبيد أَنَّ أخْفَى من الأضداد يكون بمعنى أظْهَرَ وبمعنى سَتَرَ. وعلى هذا تتخذ ( القراءتان ). ومن مجِئ خَفَيْتُ بمعنى أظهرت قول امرئ القيس :
( وقول الآخر :٣٦٤٨- خَفَاهُنَّ مِنْ أَنْفَاقِهِنَّ كَأَنَّمَا خَفَاهُنَّ وَدْقٌ مِنْ عِشِيٍّ مُجْلِّبِ
قال الزجاج : وهذه القراءة أبْيَنُ، لأن معناها : أكادُ أَظْهِرُها ( فيفيد أنه قد أخفاها ). والحكمة في إخفاء الساعة وإخفاء وقت الموت : أنَّ الله تعالى وعد قبلها التوبة عند قربهما، فلو عرف وقت الموت لاشتغل بالمعصية إلى وقت قرب ذلك الوقت ثم يتوب فيتخلص من عقاب المعصية، فتعريف وقت الموت كالإغراء بفعل معصية وهو لا يجوز. قوله :» لِتُجْزَى « هذه لام كي، وليست بمعنى القسم أي : لِتُجْزَيَّن كما نقله أبو البقاء عن بعضهم، وتتعلق هذه اللامِ بأُخْفِيها. وجعلها بعضهم متعلقة ب ( آتِيَةٌ )، وهذا لا يتم إلا إذا قدرت أن » أكَادُ أُخْفِيِهَا « معترضة بين المتعلق والمتعلق به، أما إذا جعلتها صفة ( آتِيَةٌ ) فلا يتم على مذهب البصريين، لأن اسم الفاعل متى وصف لم يعمل فإن عمل ثم وصف جاز.٣٦٤٩- فَإنْ تَدْفِنُوا الدَّاءَ لاَ نُخْفِهِ وَإنْ تُوقِدُوا الحَرْبَ لا نَقْعُدِ )
وقال أبو البقاء : وقيل : ب ( آتِيَةٌ )، ولذلك وقف بعضهم على ذلك وقفة يسيرة إيذاناً بانفصالها عن ( أخفيها ).
قوله :» بِمَا تَسْعَى « متعلق ب » لِتُجْزَى «. و » مَا « يجوز أن تكون مصدرية أو موصولة اسمية، ولا بد من مضاف، أي : لِتُجْزَى بعقاب سعيها، أو : بعقاب ما سعته.
فصل
لمَّا حكم بمجيء الساعة ذكرَ الدليلَ عليه، وهو أنه لولا القيامة لما تميز المطيع من العاصي، وهو المعنيُّ بقوله :