[ قالوا ] : ولم تحترق اليد، لأنها آلة أخذ العصا.
وقيل : كان ذلك التعقد خلقة فسأل الله تعالى إزالته. واختلفوا في أنه لِمَ طلب حل العقدة؟ فقيل : لئلا يقع في خلل في أداء الوحي. وقيل : لئلا يستخف بكلامه فينفروا عنه ولا يلتفتوا إليه. وقيل : لإظهار المعجزة كما أن حبس لسان زكريا عن الكلام كان معجزاً في حقه، فكذا إطلاق لسان موسى -عليه السلام- معجز في حقه.
فصل
قال الحسن : إن تلك العقدة زالت بالكلية، لقوله تعالى :« قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يَا مُوسَى »، وقيل : هذا ضعيف، لأنه عليه السلام لم يقل : واحْلُلْ العقدة من لساني بل قال :« واحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي »، فإذا حل عقدة واحدة فقد آتاه الله سؤله، والحق أنه انحل أكثر العقد وبقي منها شيء لقوله حكاية عن فرعون « أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِين » مع بقاء قدر من الانعقاد في لسانه وأجيب عنه بوجهين :
أحدهما : أن المراد بقوله :« وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ » أي لا يأتي ببيان وحجة.
والثاني : أن ( كَادَ ) بمعنى قَرُبَ. فلو كَانَ المراد هو البيان اللساني، لكان معناه : أنه لا يقارب البيان، فكان فيه نفي البيان بالكلية، وذلك باطل، لأنه خاطب فرعون وقومه، وكانوا يفهموزن، فكيف يمكن نفي البيان، بل إنما قالوا ذلك تمويهاً ليصرفوا الوجوه عنه. واعلم أن النطق فضيلة عظيمة، ويدل عليه وجوه :
الأول : قوله تعالى :﴿ خَلَقَ الإنسان عَلَّمَهُ البيان ﴾ [ الرحمن : ٣، ٤ ]، ولهذا قيل للإنسان : هو الحيوان الناطق.
الثاني : اتفاق العقلاء على تعظيم أمر اللسان قال زهير :
٣٦٥٤- لِسَانُ الفَتَى نِصْفَ وَنصْفٌ فؤاده | فَلَمْ يَبْقَ إلاَّ صُورَةُ اللَّّحْمِ وَالدَّمِ |
وقالوا : المَرْءُ بأصغريه أي قلبِه ولسانِه.
وقالوا :« المَرْءُ مَخْبُوءٌ تَحْتَ لِسَانِهِ ».
الثالث : أن في مناظرة آدم -عليه السلام- مع الملائكة ما ظهرت الفضيلة إلا بالنطق حيث قال :﴿ يَآءَادَمُ أَنبِئْهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ فَلَمَّآ أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَآئِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَّكُمْ إني أَعْلَمُ غَيْبَ السماوات والأرض ﴾ [ البقرة : ٣٣ ].
قوله :« مِنْ لِسَانِي » يجوز أن يتعلق بمحذوف على أنه صفة ل « عُقْدَة » أي : من عقد لساني، ولم يذكر الزمخشري غيره. ويجوز أن يتعلق بنفس « احلُلْ »، والأول أولى. قوله :« واجْعَلْ لِي وَزِيراً » يجوز أن يكون مفعولاً ثانياً مقدِّماً و « وَزِيراً » ويجوز أن يكون متعلقاً بالجعل، و « هَارونَ » بدل من « وَزِيراً » وجوَّز أبو البقاء أن يكون « هَارُونَ » عطف بيان ل « وَزيراَ ». ولم يذكر الزمخشري غيره. ولما حكى أبو حيان هذا لم يعقبه بتنكير، وهو عجب منه فإنَّ عطفَ البيان يُشترط فيه التوافق تعريفاً وتنكيراً، وقد عرفت أن وزيراً نكرة، وهارون معرفة.