﴿ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرحمن وُدّاً ﴾ [ مريم : ٩٦ ] قال القاضي : هذا الوجه أقرب، لأنه حال صغره لا يكاد يوصف بمحبة الله تعالى التي ظاهرها من جهة الدين؛ لأن ذلك إنما حال صغره لا يكاد يوصف بمحبة الله تعالى التي ظاهرها من جهة الدين؛ لأن ذلك إنما يستعمل في المكلف من حيث استحقاق الثواب.
فالمراد أول ما ذكر في كيفيته في الخلقة يستحلى ويغتبط به، وكذلك كانت حاله مع فرعون وامرأته. ( ويمكن أن يقال ) بل الاحتمال الأول أرجح لأن الاحتمال الثاني يحوج إلى الإضمار، وهو أن يقال : وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةٌ حاصلةٌ مِنِّي وواقعة بتخليقي، وعلى الأول لا حاجة إلى الإضمار.
وأما قوله : إنه حال صباه لا يحصل له محبة الله. فممنوع، لأن معنى الله هو اتصال النفع إلى عباده، وهذا المعنى كان حاصلاً ي حقه في زمان صباه، وعلم الله أن ذلك يستمر إلى آخر عمره، فلا جرم أطلق عليه لفظ المحبة. قوله :« وَلِتُصْنَع » قرأ العامة بكسر اللام وضم التاء وفتح النون على البناء للمفعول، ونصب الفعل بإضمار ( أنْ ) بعد لام ( كي )، وفيه وجهان :
أحدهما : أن هذه العلة معطوفة على علة مقدرة قبلها.
والتقدير : ليتلطف بك ولتصنع، ( أو ليعطف عليك ). وترأم ولتصنع، وتلك العلة المقدرة متعلقة بقوله :« وَأَلْقِيْتُ » أي : ألقيت عليك المحبة ( ليعطف عليك ولتصنع، ففي الحقيقة هو متعلق بما قبله من إلقاء المَحَبَّةِ ).
والثاني : أن هذه اللام تتعلق بمضمر بعدها، تقديره : ولتصنع على عيني فعلت ذلك، أي : ألقيت عليكَ محبةً مِنِّي، أو كان كيت وكيت.
ومعنى « وَلِتُصْنَعَ » أي لِتُرَبِّى ويُحْسِن إلَيْكَ، وأنا مراعيك، ومراقبك كما يراعى الإنسان الشيء بعينه إذا اعتنى به. قال الزمخشري.
ومجاز هذا أنَّ مَنْ صنعَ للإنسانِ شيئاً وهو حاضر ينظر إليه صنعه كما يُحِبُّ، ولا يمكنه أن يخالف غرضه فكذا هنا. وفي كيفية المجاز قولان :
الأول : المراد من العَيْنِ العلم، أي تُرَبَّى على علم مِنِّي، ولما كان العالم بالشيء يحرسه عن الآفات أطلق لفظ العَيْن على العلم ( لاشتباههما ) من هذا الوجه.
الثاني : المراد من العَيْنِ الحراسة، لأن الناظر إلى الشيء يحرسه عما لا يريده، فالعين كأنها سبب الحراسة، فأطلق اسم السبب على المسبب مجازاً وهو كقوله تعالى :﴿ إِنَّنِي مَعَكُمَآ أَسْمَعُ وأرى ﴾ [ طه : ٤٦ ]. ويقال : عَيْنُ الله عليك، إذا دعا له بالحفظ ( والحياطة ).
وقرأ الحسن وأبو نهيك :« وَلِتصْنَعَ » بفتح التاء.
( قال ثعلب ) : معناه لتكون حركتك وتصرفك على عينٍ مني.
وقال قريباً منه الزمخشري.
وقال أبو البقاء : أي : لتفعل ما آمرك بمرأى مني. وقرأ أبو جعفر وشيبة « وَلْتُصْنَعْ » بسكون اللام والعين وضم التاء، ( وهو أمر معناه : لتُربِّ وليُحْسَن إليك ). وروي عن أبي جعفر في هذه القراءة كسر لام الأمر.
ويحتمل مع كسر اللام أو سكونها حال تسكين العين أن تكون لام كي، وإنما سكنت تشبيهاً بكَتْف وكَبد، والفعل منصوب، والتسكين في العين لأجل الإدغام لأنه لا يقرأ في الوصل إلا بإدغام فقط.