قال القاضي : الإباء الامتناع، وإنه لا يوصف به إلا من كَذَّبَ بتمكنٍ من الفعل والترك، ولأنه تعالى ذمَّه بأنه كذَّب، وبأنه أبَى، وإن لم يقدر على ما هو فيه لم يصح. وهذا السؤال وجوابه تقدم ذمَّه بأنه كذَّب، وبأنه أبَى، وإن لم يقدر على ما هو فيه لم يصح. وهذا السؤال وجوابه تقدم في سورة البقرة في ﴿ إِبْلِيسَ أبى واستكبر ﴾ [ ٣٤ ].
قوله :﴿ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا ﴾ يعني مصر ﴿ بِسِحْرِكَ ياموسى ﴾ وتركيب هذه الشبهة عجيب، وذلك لأنه ألقى في مسامعهم ما يصيرون مبغضين له جداً بقوله :﴿ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا ﴾، لأن هذا مما يشق على الإنسان في النهاية، ولذلك جعله الله تعالى مساوياً للقتل في قوله ﴿ اقتلوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخرجوا مِن دِيَارِكُمْ ﴾ [ النساء : ٦٦ ]، ثم لما صاروا في نهاية البغض له أورد الشبهة الطاعنة في نبوته -عليه السلام- وهي أنَّ ما جئتنا به سِحْرٌ لا معجز، ولمَّا علم أنَّ المعجز إنما يتميز عن السحر، لكون المعجز مما يتعذر بمعارضته قال :﴿ فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ ﴾.
قوله :« فَلَنَأتِيَنََّكَ » جواب قسم محذوف تقديره : والله لنأتينَّكَ. وقوله « بِسِحْرٍ » يجوز أن يتعلق بالإتيان وهذا هو الظاهر. ويجوز أن يتعلق بمحذوف على أنَّه حال من فاعل الإتيان أي ملتبسين بسحرٍ.
قوله :« مَوْعِداً » يجوز أن يكون زماناً كقوله :﴿ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصبح ﴾ [ هود : ٨١ ] ويرجحه قوله :﴿ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة ﴾، ( والمعنى : عَيَّن لنا وَقْتَ اجتماعنا، ولذبك أجابهم بقوله :﴿ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة ﴾ وضعَّفوا هذا بأنه ينبو عنه قوله :﴿ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة ﴾.
وبقوله :« لاَ نُخْلِفُه ». وأجاب عن قوله :« لاَ نُخْلِفُهُ » بأن المعنى : لا نخلف الوقت في الإجماع فيه. ويجوز أن يكون مكاناً. والمعنى : بَيِّنْ لنا مكاناً معلوماً نعرفه نحن وأنت فنأتيه، ويؤيد بقوله :« مَكَاناً سُوًى ». قال فهذا يدل على أنه مكان، وهذا يَنْبُو عنه قوله :﴿ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة ﴾، ويجوز أن يكون مصدراً أي اجعل بيننا وبينك وعداً لا نخلِفه، ويؤيد هذا قوله :﴿ لاَّ نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلاَ أَنتَ ﴾، لأن الموعد هو الذي يصح وصفه بالخلف وعدمه، وإلى هذا نحا جماعة مختارين له ويُرَدُّ عليهم بقوله :﴿ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة ﴾ ( فإنه لا يطابقه ).
وقال الزمخشري : إن جعلته زماناً نظراً في أن قوله :﴿ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة ﴾ مطابق له، لزمك شيئان : أن تجعل الزمان مخلفاً، وأن يعضل عليك ناصب مكاناً، ( وإن جعلته مكاناً ) لقوله :« مَكَاناً سُوى » لزمك أيضاً أن توقع الإخلاف على المكان، وأن لا يطابق قوله :﴿ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزينة ﴾، وقراءة الحسن غير مطابقة له زماناً ومكاناً جميعاً، لأنه قرأ « يَوْمَ الزِّينَةِ » بالنصب، فقي أن يُجْعَل مصدراً يعني الوعد، ويقدِّر مضاف محذوف أي : مكان الوعد، ويجعل الضمير في « تُخْلِفُه » للموعد، و « مكاناً » بدل من المكان المحذوف.