﴿ فَأَخْلَفْتُمْ مَّوْعِدِي ﴾، وهذا يدل على موعد كان فيه -عليه السلام- مع القوم، فقيل : المراد ما وعدوه من اللحاق والمجيء على أثره. وقيل : ما وعدوه من الإقامة على دينه إلى أن يرجع إليهم من الطور و « مَوْعدي » مصدر يجوز أن يكون مضافاً لفاعله بمعنى أوَجدْتُمُونِي أَخْلَفْتُكُم ما وعْدتُّكُمْْ. وأن يكون مضافاً لمفعوله بمعنى : أنهم وعدوه أن يتمسكوا بدينه وسنته.
قوله :« بِمَلْكِنَا » قرأ الأخوان بضم الميم، ونافع وعاصم بفتحها والباقون بكسرها. فقيل : لغات بمعنى واحد كالنَّقْضِ والنُّقضِ والنِّقْضِ، فهي مصادر، ومعناها القدرة والتسلط. وفرق الفارسي وغيره بينهما، فقال : المضموم معناه : لم يكن مُلْكٌ فتُخْلِفُ موعدك بسلطانه، وإنما فعلناه بنظر واجتهاد، فالمعنى على أن ليس له ملك كقول ذي الرُّمة :
٣٦٨٥- لاَ يُشْتَكَى سَقْطَةٌ مِنْهَا وَقَدْ رَقَصَتْ | بِهَا المَفَاوِزُ حَتَّى ظَهْرُهَا حَدِبُ |
وفتح الميم مصدر من مَلَكَ أمره، والمعنى : ما فعلناه بأنَّا ملكنا الصواب، بل غلبتنا أنفسنا. وكسر الميم كَثُر فيما تحوزه اليد وتحويهن ولكنه يستعمل في الأمور اليت يرمها الإنسان، ومعناها كمعنى التي قبلها.
والمصدر في هذين الوجهين مضاف لفاعله، والمفعول محذوف أي : بِمَلْكِنَا الصوابَ. قوله :« حُمِّلْنَا » قرأ نافع وابن كثير وحفص بضم الحاء وكسر الميم المشددة وأبو جعفر كذلك إلا أنه خفف الميم. ( والباقون بفتحها خفيفة الميم ). فالقراءة الأولى والثانية نسبوا فيهما الفعل إلى غيرهم.
وفي الثالثة نسبوه إلى أنفسهم و « أَوْزَاراً » مفعول ثان غير القراءة الثالثة. و « مِنْ زِينَةِ » يجوز أن يكون متعلقاً ب « حُمِّلْنَا »، وأن يكون متعلقاً بمحذوف على أنه صفة ل « أَوْزَاراً ».
وقوله :« فَكَذَلِكَ » نعت لمصدر أو حال من ضميره عند سيبويه أي : وأن يكون متعلقاً بمحذوف على أنه صفة ل « أوْزَاراً ».
وقوله :« فَكَذَلِكَ » نعت لمصدر أو حال من ضميره عند سيبويه أي : إلقاء مثل إلقَائِنَا.
فصل
اختلفوا في القائل ﴿ مَآ أَخْلَفْنَا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنَا ﴾ على وجهين :
فقيل : القائل هم الذين لم يعبدُوا العجلَ كأنهم قالوا : ما أخلَفْنَا موعدَك بأمرٍ كُنَّا نملكه، وقد يضيف الرجل فعل قرينه إلى نفسه، كقوله تعالى :﴿ وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ البحر ﴾ [ البقرة : ٥٠ ] ﴿ وَإِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً ﴾ [ البقرة : ٧٢ ] وإن كان القائل بذلك آباءهم، فكأنهم قالوا : الشبهة قويت على عبدة العجل، فلم نقدر على منعهم عنه ولم نقدر أيضاً على مفارقتهم، لأنَّا خفنا أن نصير سبباً لوقوع الفرقة، وزيادة الفتنة.
وقيل : هذا قول عبدة العِجل، والمعنى أن غيرنا أوقع الشبهة في قلوبنا، وفاعل السبب فاعل المسبب، فمخلف الوعد هو الذي أوقع الشبهة، فإنه كان لمالكنا لنا.