قوله :« يا بْنَ أُمِّ » قيل : إنما خاطبه بذلك ليدفعه عنه، ويتركه.
وقيل : كان أخاه لأمه.
واعلم أنه ليس في القرآن دلالة على أنَّه فَعَلَ ذلك، فإن النهي عن الشيء لا يدل على كون المنهي فاعلاً للمنهي عنه لقوله تعالى :﴿ وَلاَ تُطِعِ الكافرين والمنافقين ﴾ [ الأحزاب : ١، ٤٨ ] وإنما في القرآن أنه أخذ برأس أخيه يجره إليه. ، وهذا القدر لا يدل على الاستحقاق بل قد يفعل لسائر الأغراض على ما بيناه.
قوله :﴿ لاَ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلاَ بِرَأْسِي ﴾ الجمهور على كسر اللام من اللحية، وهي الفصحى. وفيها الفتح وبه قرأ عيسى بن سليمان الحجازي، والفتح لغة الحجاز ويجمع على لِحّى كقِرَب. ونقل فيها الضم كما قالوا : صِوَرَ بالكسر وحقها بالضم.
والباء في « بِلِحْيَتِي » ليست زائدة إما لأنَّ المعنى لا يكن منك أخذ وإما لأن المفعول محذوف أي لا تأخُذْنِي. ومن زعم زيادتها كهي في ﴿ وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التهلكة ﴾ [ البقرة : ١٩٥ ] فقد تعسف.
فصل
معنى قوله :« بِرَأْسِي » أي بِشَعْر رأسي، وكان قد أخذ بذوابته « إنِّي خَشِيتُ » لو أنكرت عليهم لصاروا حريين بقتل بعضهم بعضاً، فتقول أنت ﴿ فَرَّقْتَ بَيْنَ بني إِسْرَآئِيلَ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي ﴾ ولم تحفظ وصيتي حين قلت لك :﴿ اخلفني فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ ﴾ [ الأعراف : ١٤٢ ] لأي ارفق بهم.
قوله :﴿ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي ﴾ هذه الجملة محلها النصب نسقاً على ﴿ فَرَّقْتَ بَيْنَ بني إِسْرَآئِيلَ ﴾ أي أن تقول : فرقت بينهم وأن تقول :﴿ وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي ﴾.
وقرأ أبو جعفر « تُرقب » بضم حرف المضارعة من أرقب. فإن قيل : إن قوله موسى - عليه السلام- « وما منعك أن لا تتبع أفعَصَيْتَ أمْرِي » يدل على أنه أمره بشيء، فكيف يحسن في جوابه أن يقال : إنما لم أمتثل قولك خوفاً من أن تقول « وَلَمْ تَرْقُبْ قَوْلِي »، وهل يجوز مثل هذا الكلام على العاقل؟
فالجواب : لعلَّ موسى - عليه السلام - إنما أمره بالذهاب إليه بشرط أن لا يؤدي ذلك إلى فساد القوم، فلما قال موسى « مَا مَنَعَكَ أَْنْ لاَ تَتَّبِعنِي » قال لأنك إنما أمرتني باتباعك إذا لم يحصل الفساد، فلو جئتك مع حصول الفساد ما كنت مراقباً لك.