وقيل :« زُرْقاً » أي عُمْياً، قال الزجاج : يخرجون زُرْقاً في أول الأمر ويُعْمَون في المحشر.
وسوادُ العين إذا ذهب تزرق. فإن قيل : كيف يكون أعمى، وقد قال الله تعالى :﴿ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبصار ﴾ [ إبراهيم : ٤٢ ] وشخوص البصر من الأعمى محال، وأيضاً قد قال في حقهم :﴿ اقرأ كَتَابَكَ ﴾ والأَعْمَى كيف يقرأ؟
فالجواب أن أحوالهم قد تختلف. وقيل : المراد بقوله :« زُرْقاً » أي زرق العيون، والعرب تتشاءَمُ بها. وقيل يجتمع مع الزرقة سواد الوجه.
قال أبو مسلم : المراد بالزرقة شخوص أبصارهم، والأزرق شاخص فإنه لضعف بصره يكون محدِّقاً نحو الشيء، وهذه حال الخائف المتوقع لما يكره، وهي كقوله :﴿ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فِيهِ الأبصار ﴾ وروى ثعلب عن ابن الأعرابي :« زُرْقاً » عِطَاشاً، قال لأنهم من شدة العطش يتغير سوادُ أعينهم حتى تزرَقُّ لقوله تعالى :﴿ وَنَسُوقُ المجرمين إلى جَهَنَّمَ وِرْداً ﴾ [ مريم : ٨٦ ] وحكى ثعلب عن ابن الأعرابي :« زُرْقاً » طامعين ( فيما لا يَنَالُونَه ).
فصل
قالت المعتزلة : لفظُ المجرمين يتناول الكفار والعُصاة فيدل على عدم العفو عن العصاة. وقال ابن عباس : يريدُ بالمجرمين الذين اتخذوا مع الله إلهاً آخر وتقدم هذا البحث.
قوله :« يَتَخَافَتُونَ » يجوزُ أن يكون مستأنفاً، وأن يكونَ حالاً ثانية من « المُجْرِمينَ »، وأن يكونَ حالاً من الضمير المستتر في « زرقاً » فتكون حالاً متداخلة، إذ هي حال ( من حال ). ومعنى « يَتَخَافَتُونَ » أي : يتشاوَرُونَ فيما بينهم، ويتكلمون خفية، يقال : خَفَتَ يَخْفِتُ، وخَافَتَ مُخَافَتَة، والتَّخافُت السرار نظيره قوله تعالى :﴿ فَلاَ تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْساً ﴾ [ طه : ١٠٨ ]، وإنما يتخافتون، لأنه إمتلأت صدورُهُمْ من الرعب والهول، أو لأنهم بسبب الخوفِ صارُوا في نهاية الضعف فلا يطيقون الجهر. وقوله :« إن لَبِثْتُمْ » هو مفعول المارة، وقوله :« إلاَّ عَشْراً » يجوز أن يراد الليالي، وحذف التاء من العدد قياسي. وأن يراد الأيام، فيُسْأَل لِمَ حذفت التاء؟ فقيل : إنه إذا لم يذكر المميز في عدد المذكر جازت التاء وعدمها، سمع من كلامهم : صُمْنَا من الشهر خَمْساً، والصَّوْمُ إنما هو الأيام، دون اللَّيالي. وفي الحديث « مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وأتْبَعَهُ بستّ مِنْ شَوَّال »، وحسن الحذف هنا لكونه رأس آية وفاصلة.
فصل
قال الحسن وقتادةَ والضحَّاك : أرادوا به اللبث في الدنيا، أي فما مكثتم في الدُّنْيَا إلا عشر ليال، واحتجُّوا بقوله تعالى :﴿ قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الأرض عَدَدَ سِنِينَ قَالُواْ لَبِثْنَا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ ﴾ [ المؤمنون : ١١٢، ١١٣ ].
فإن قيل : إما ( أن يقال ) : إنهم قد نسَوا قدرَ لبثهم في الدنيا أو ما نَسوا ذلك والأول غير جائز، إذ لو جاز ذلك لجاز أن يبقى الإنسان خمسين سنة في بلدة ثم يَنْسَى.
والثاني غير جائز، لأنه كذب، وأهل الآخرة لا يكذبون لا سيَّما وهذا الكذب لا فائدة فيه.