﴿ عَامِلَةٌ نَّاصِبَةٌ ﴾ [ الغاشية : ٣ ].
وقال عليُّ بن أبي طالبٍ : هم أهلُ حروراء.
قوله :﴿ أَعْمَالاً ﴾ : تمييزٌ للأخسرين؛ وجمع لاختلاف الأنواع.
قوله :﴿ الذين ضَلَّ ﴾ : يجوز فيه الجر نعتاً، وبدلاً، وبياناً، والنصب على الذَّم، والرفع على خبر ابتداء مضمرٍ.
ومعنى خُسْرانهِم أن مثلهم كمن يشتري سلعة يرجُو منها ربحاً، فخسر وخاب سعيهُ، كذلك أعمالُ هؤلاء الذين أتعبُوا أنفسهم مع ضلالهم، فبطل جدُّهم واجتهادهم في الحياة الدنيا، ﴿ وَهُمْ يَحْسَبُونَ ﴾ يظنون ﴿ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً ﴾ أي : عملاً.
قوله :﴿ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ ﴾ يسمَّى في البديع « تَجْنيسَ التَّصحيف » وتجنيس الخطِّ، وهذا من أحسنه، وقال البحتريُّ :[ الطويل ]
٣٥٦٩- ولَمْ يَكُنِ المُغْتَرُّ بالله إذْ شَرَى | ليُعْجِزَ والمُعْتَزُّ بالله طَالِبُهْ |
٣٥٧٠- سَقَيْنَنِي ريِّي وغَنَّيْنَنِي | بُحْتُ بِحُبِّي حينَ بِنَّ الخُرُذ |
شَقَيْتَنِي ربِّي وعَنَّيْتَنِي | بِحُبِّ يَحْيَى خَتنِ ابنِ الجُرُذ |
قِيلَ قَبْلَ نَداكَ ثَرَاكَ، عَبْدٌ عِنْدَ رَجَاكَ رَجَاكَ، آمِلٌ أمِّكَ.
قوله تعالى :﴿ أولئك الذين كَفَرُواْ بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ ﴾.
لقاء اللع عبارة عن رؤيته؛ لأنَّه يقال : لقيتُ فلاناً، أي : رأيته.
فإن قيل : اللُّقيا عبارةٌ عن الوصول؛ قال الله تعالى :﴿ فَالْتَقَى المآء على أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ ﴾ [ القمر : ١٢ ].
وذلك في حقِّ الله محالٌ؛ فوجب حمله على ثواب الله.
فالجواب : أن لفظ اللقاء، وإن كان في الأصل عبارة عن الوصول إلاَّ أنَّ استعماله في الرؤية مجازٌ ظاهرٌ مشهورٌ، ومن قال بأنَّ المراد منه : لقاء ثواب الله، فذلك لا يتمُّ إلا بالإضمار، وحمل اللفظ على المجاز المتعارفِ المشهور أولى من حمله على ما يحتاج إلى الإضمار.
واستدلَّت المعتزلة بقوله تعالى :﴿ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ﴾ على أن الإحباط حقٌّ، وقد تقدَّم ذلك في البقرة وقرأ ابن عباس « فَحبَطَتْ » بفتح الباء والعامة بكسرها.
قوله :﴿ فَلاَ نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ القيامة وَزْناً ﴾.
قرأ العامة « نُقِيمُ » بنون العظمة، من « أقَامَ » ومجاهدٌ وعبيد بن عميرٍ :« فَلا يُقِيمُ » بياءِ الغيبة، لتقدُّم قوله :« بآيَاتِ ربِّهِمْ » فالضمير يعود عليه، ومجاهدٌ أيضاً « فلا يقُومُ لَهُمْ » مضارع « قَامَ » متعدٍّ، كذا قال أبو حيَّان، والأحسن من هذا : أن تعرب هذه القراءة على ما قاله أبو البقاء : أن يجعل فاعل « يَقومُ » « صنيعُهمْ » أو « سَعْيهُم » وينتصب حينئذٍ « وزْناً » على أحد وجهين : إمَّا على الحال، وإمَّا على التَّمييز.
فصل في معنى الآية
المعنى : أنَّا نزدري بهم، وليس لهم عندنا وزنٌ ومقدارٌ، تقول العرب : ما لفلانٍ عندي وزنٌ، أي : قدرٌ؛ لخسَّتهِ، وروى أبو هريرة عن النبي ﷺ قال :« إنَّهُ ليَأتِي يَومَ القيامةِ الرَّجلُ العَظيمُ السَّمينُ، فلا يَزنُ عند الله جَناحَ بَعُوضةٍ »