قال أبو مسلم : إن من قوله :﴿ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الجبال ﴾ [ طه : ١٠٥ ] إلى هنا يتم الكلام وينقطع، ثم قوله :﴿ وَلاَ تَعْجَلْ بالقرآن ﴾ ( خطاب مستأنف كأنه قال :﴿ وَيَسْأَلُونَكَ... وَلاَ تَعْجَلْ بالقرآن ﴾ [ طه : ١٠٥- ١١٤ ]
وقال غيره : إن النبي - ﷺ - كان إذا أنزل عليه جبريل -عليه السلام- بالقرآن يبادر فيقرأ معه قبل أن يفرغ جبريل من التلاوة مخافة الانفلات والنسيان فنهاه الله عن ذلك، وأمره أن يسكت حال قراءة المَلَك، يقرأ بعد فراغه من ( القراءة ). فكأنه تعالى ما شرح نفع القرآن للمكلفين، وتبين أنه سبحانه متعال عن كل ما لا ينبغي، ومن كان كذلك يجب أن يصون رسوله عن السهو والنسيان ( في أمر الوحي، فإذا حصل الأمان عن السهو والنسيان ) فلا تعجل بالقرآن فقوله :﴿ وَلاَ تَعْجَلْ بالقرآن ﴾ يحتمل أن يكون المراد لا تعجل بقراءته في نفسك. لما روى عطاء عن ابن عباس : أن يكون أخذُك القرآن على تثبيت وسكون. ويحتمل لا تعجل في تأديته إلى غيرك، قال مجاهد وقتادة : لا تقرأ به أصحابك ولا تُمْله عليهم حتى يتبين لك معانيه. ويحتمل في اعتقاد ظاهرهن ويحتمل في تعريفه الغير ما يقتضيه ظاهرهن أي : حتى يتبين لك بالوحي تمامه أبو بيانه أو هما جميعاً، لأنه يجب التوقف في معنى الكلام إلى أن يفرغ لجواز أن يحصل عقبيه استثناء أو شرط، أو غيرهما من المخصصات.
فإن قيل : الاستعجال لذي نُهِي عنه إن كان فعلُه فكيف نهي عنه؟
فالجواب لعله فعل باجتهاد، وكان الأولى تركه فلهذا نهِي عنه.
قوله :﴿ قَبْلِ إَن يقضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ ﴾ العامة على بناء « يُقْضَى » للمفعول ورفع « وَحْيُه » لقيامه مقام الفاعل.
والجحدري وأبو حيوة والحسن، وهي قراءة عبد الله « تَقْضِي » بنون العظمة مبنيًّا للفاعل، « وَحْيَه » مفعول به.
وقرا الأعمش كذلك إلاَّ أنَّه سكن ( لام الفعل )، استثقل الحركة وإن كانت خفيفة على حرف العلة، وقد تقدم شواهد عند قراءة ﴿ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهالِيكُمْ ﴾.
قوله :﴿ وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْماً ﴾ أي : بالقرآن ومعانيه، وقيل :« عِلماً » أي ما علمت. وكان ابن مسعود إذا قرأ هذه قال : اللهم زدْنِي إيماناً ويقيناً.