وقال الحسن وقتادة والكلبي : هو الضيق في الآخرة في جهنم، فإن طعامهم الضريع والزقوم، وشرابُهُم الحميم والغِسْلِين، فلا يموتون فيها ولا يَحْيُون. وقال ابن عباس : المعيشة الضنك هو ان يضيق عليه أبواب الخير فلا يهتدي لشيء منها. وعن عطاء : المعيشةُ الضَّنك هي معيشة الكافر، لأنه غير موقِنٍ بالثواب والعقاب.
وروي عنه -عليه السلام- أنَّه قال : عقوبة المعصيةِ ثلاثة ضيقُ النعيشة والعُسْرُ في اللذة، وأن لا يتوصل إلى قوته إلا بمعصية الله ( تعالى ).
قوله :﴿ وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القيامة أعمى ﴾
قرأ العامة « وَنَحْشُرُهُ » بالنون ورفع الفعل على الاستئناف.
وقرأ أبان بن تغلب في آخرين بتسكين الراء، وهي محتملة لوجهين :
أحدهما : أن يكون الفعل مجزوماً نسقاً على محل جزاء الشرط، وهو الجملة من قوله :« فَإنَّ لَهٌ مَعِيشَةً » فإنَّ محلها الجزم، فهي كقراءة :« مَنْ يُضْلِل اللهُ فَلاَ هَادِي لَهُ وَيَذَرْهُم » بتسكين الراء.
والثاني : أنْ يكون السكون سكون تخفيف ( نحو « يَأْمُرْكُم » وبابه ).
وقرأت فرقة بياء الغيبة، وهو الله تعالى أو الملك. وأبان بن تغلب في رواية « وَنَحْشُرُهْ » بسكون الهاء وصلاً، وتخريجها إما على لغة بني عقيل وبني كلاب وإمَّا على إجراء الوصل مجرى الوقف. و « أعْمَى » نصب على الحال.
فصل
قال ابن عباس : أعمى البصر. وقال مجاهد والضحاك ومقاتل : أعمى عن الحجة، وهو رواية سعيد بن جبير عن ابن عباس.
قال القاضي : وهذا ضعيف، لأن في القيامة لا بد أن يُعْلِمهم اله بطلان ما كانوا عليه حتى يتميز لهم الحق من الباطل، ومن هذا حاله لا يوصف بذلك إلا مجازاً، ولا يليق بهذا قوله :« وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً »، ولم يكن كذلك في حال الدنيا. ومما يؤيد ذلك أنه تعالى علَّل ذلك العمى بأن المكلف نَسِي الدلائل فلو كان العمى الحاصل في الآخرة عين ذلك النِّسيان لم يكن للمكلف بسبب ذلك ضرر.
قوله :﴿ لِمَ حشرتني أعمى وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً ﴾ اعلم أنَّ الله -تعالى- جعل هذا العمى جزاءً على تركه اتباع الهدى.
وقوله :« وَقَدْ كُنتُ بَصِيراً » جملة حالية من مفعول « حَشَرْتَنِي ». وفتح الياءَ من « حَشَرْتَنِي » قبل الهمزة نافع وابن كثير.
قوله :« كذلك أَتَتْكَ » قال أبو البقاء :« كَذَلِكَ » في موضع نصب أي : حَشَرْنَا مثل ذلك أو فَعَلْنَا مثل ذلك أو إتياناً مثل ذلك أو جزاءً مثل إعراضِك أو نسياناً وهذه الأوجه التي ذكرها تكون الكاف في بعضها نصباً ( على المصدر، وفي بعضها نصباً ) على المفعول به.
ولم يذكر الزمخشري في غير المفعول به فقال : أي : مثل ذلك فعلتَ أنْتَ، ثم فُسِّر بأنَّ آياتنَا أتتك واضحة مستنيرة فلم تنظر إليها بعين المعتبر، فتركتَها وأعرضتَ عنها. ﴿ وكذلك اليوم تنسى ﴾ تُتْرَك في النار.
قوله :﴿ وكذلك نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ ﴾ أي ومثل ذلك الجزاء نجزي « مَنْ أسْرَفَ » أي : أشرك، ﴿ وَلَمْ يُؤْمِن بِآيَاتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الآخرة أَشَدُّ وأبقى ﴾ مما يعذبهم في الدنيا ( والقبر، « وَأبْقَى » وأدْوَمُ ).