وفي جعله نعتاً ل « ذِكْرٍ » إشكال من حيث إنه تقدم غير الصريح، وتقدم تحريره في المائدة.
الخامس : أن يتعلق بمحذوف على سبيل البيان. وقرأ ابن عبلة « محدثٌ » رفعاً نعتاً ل « ذِكرٍ » على المحل، لأن « مِنْ » مزيدة فيه لاستكمال الشرطين.
وقال أبو البقاء : ولو رفع على موضع « من ذكر » جاز. كأنه لم يطلع عليه قراءة وزيد بن عليّ « مُحْدَثاً » نصباً على الحال من « ذِكْرٍ »، وسوغ ذلك وصفه ب « مِنْ رَبِّهِمْ » إن جعلناه صفة.
قوله :« إلاَّ اسْتَمَعُوهُ » هذه الجملة حال من مفعول « يأتيهم » وهو استثناء مفرغ، و « قد » معه مضمرة عند قوم.
« وهم يلعبون » حال من فاعل « اسْتَمَعُوهُ » أي استمعوه لاعبين.
فصل
قال مقاتل : معنى « مُحْدَثٍ » يحدث الله الأمر بعد الأمر. وقيل : الذكر المحدث ما قاله النبي - ﷺ وبينه من السنن والمواعظ سوى ما في القرآن، وأضافه إلى الرب، لأنه أمره بقوله إِلاَّ « اسْتَمَعُوهُ » لاعبين لا يعتبرون ولا يتعظون.
فصل
استدلت المعتزلة بهذه الآية على حدوث القرآن، فقالوا : القرآن ذكر، والذكر محدث، فالقرآن محدث، وبيان أن القرآن ذكر قوله تعالى في صفة القرآن :﴿ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ ﴾ [ يوسف : ١٠٤، ص : ٨٧، التكوير : ٢٧ ] ﴿ وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ ﴾ [ الزخرف : ٤٤ ] ﴿ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذكر ﴾ [ الحجر : ٩ ] ﴿ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ ﴾ [ يس : ٦٩ ] و ﴿ وهذا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ ﴾ [ الأنبياء : ٥٠ ]. وبيان أن الذكر محدث قوله :﴿ مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ ﴾ وقوله :﴿ مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مِّنَ الرحمن مُحْدَثٍ ﴾ [ الشعراء : ٥ ] فالجواب من وجهين :
الأول : أن قوله تعالى :﴿ إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَالَمِينَ ﴾ [ يوسف : ١٠٤، ص : ٨٧، التكوير : ٢٧ ] وقوله ﴿ وهذا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ ﴾ [ الأنبياء : ٥٠ ] إشارة إلى المركب من الحروف والأصوات، وذلك مما لا نزاع فيه بل حدوثه معلوم بالضرورة، وإنما النزاع في قدر كلام الله تعالى بمعنى آخر.
الثاني : أن قوله :﴿ مَا يَأْتِيهِمْ مِّن ذِكْرٍ مِّن رَّبِّهِمْ مُّحْدَثٍ ﴾ لا يدل على حدوث كل ما كان ذكراً، كما أن قول القائل : لاَ يَدْخل هذه البلدة رجلٌ فاضلٌ إلا يبغضونه فإنه لا يدل على أن كل رجل يجب أن يكون فاضلاً بل على أن من الرجال من هو فاضل، وإذا كان كذلك فالآية لا تدل إلا على أن بعض الذكر محدث، فيصير نظم الكلام : القرآن ذكر، وبعض الذكر محدث، وهذا لا ينتج شيئاً، فظهر أن الذي طنوه قاطعاً لا يفيد ظناً ضعيفاً فضلاً عن القطع.
قوله :« لاهيةً » يجوز أن تكون حالاً من فاعل « اسْتَمَعُوهُ » عند من يجيز تعدد الحال، فيكون الحالان مترادفين.
وأن يكون حالاً من فاعل « يلعبون » فيكون الحالان متداخلين وعبر الزمخشري عن ذلك فقال :﴿ وَهُمْ يَلْعَبُونَ لاَهِيَةً قُلُوبُهُمْ ﴾ حالان مترادفان أو متداخلتان وإذا جعلناهما حالين مترادفين ففيه تقديم الحال غير الصريحة وفيه من البحث ما في باب النعت.