وأيضاً قال :﴿ وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا ﴾.
وهذا يدلُّ على أنه تعالى قادر على أن يجيء بمثل كلامه، والذي يجيءُ به يكون محدثاً، والذي يكون المحدثُ كلامهُ فهو أيضاً محْدَثٌ.
فالجوابُ : بأنَّ المراد به الألفاظ الدَّالَّة على تعلُّقات تلك الصِّفاتِ الأزليَّة.
ولمَّا بيَّن تعالى تمام كلامه أمر محمَّداً ﷺ بأن يسلك طريقة التَّواضع، فقال :﴿ قُلْ إِنَّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يوحى إِلَيَّ ﴾.
أي : لا امتياز بيني وبينكم في شيء من الصفات إلاَّ في أنَّ الله تعالى، أوحى إليّ أنَّه لا إله غلاَّ هو الواحد الأحد.
قال ابن عبَّاسٍ - رضي الله عنهما- : علَّم الله - عزَّ وجلَّ - رسوله ﷺ التواضع، فأمره أن يُقرَّ، فيقول : أنا آدميٌّ مثلكم إلاَّ أنِّي خُصِصْتُ بالوحي.
قوله :﴿ أَنَّمَآ إلهكم إله وَاحِدٌ ﴾ وهو يدلُّ على مطلوبين :
أحدهما : أن كلمة « أنَّما » تفيد الحصر.
والثاني : كون الإله واحداً.
قوله :﴿ أَنَّمَآ إلهكم ﴾ :« أنَّ » هذه مصدرية، وإن كانت مكفوفة ب « ما » وهذا المصدر فائمٌ مقام الفاعل؛ كأنَّه قيل : إنَّما يوحى إليَّ التوحيد.
قوله :﴿ فَمَن كَانَ يَرْجُواْ لِقَآءَ رَبِّهِ ﴾.
الرَّجاء : هو ظنُّ المنافع الواصلة، والخوفُ : ظنُّ المضارِّ الواصلة إليه، فالرَّجاءُ هو الأملُ.
وقيل : معنى « يَرْجُو لقاءَ ربِّه » أي : يخاف المصير إليه، فالرجاء يكون بمعنى الخوف، والمل جميعاً؛ قال الشاعر :[ الطويل ]

٣٥٧٦- فَلاَ كُلُّ مَا تَرجُو مِنَ الخَيْرِ كَائِنٌ ولا كَلُّ مَا تَرْجُو من الشَّرِ واقِعُ
فجمع بين المعنيين، وأهل السُّنة حملوا لقاء الربِّ على رؤيته. والمعتزلة حملوه على لقاء ثواب الله.
قوله تعالى :﴿ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلاَ يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدَاً ﴾.
قرأ العامة :« ولا يُشْرِكْ » بالياء من تحتُ، عطف نهي على أمرٍ، ورُويَ عن أبي عمرو « ولا تُشْرِكْ » بالتاءِ من فوق؛ خطاباً على الالتفات من الغيبة إلى الخطاب، ثم التفت في قوله « بِعبادَةِ ربِّهِ » إلى الأول، ولو جيء على الالتفات الثاني، لقيل :« ربِّك » والباء سببيةٌ، أي : بسبب. وقيل : بمعنى « في ».

فصل في ورود لفظ الشرك في « القرآن الكريم »


قال أبو العبَّاس المقري : ورد لفظ الشِّرْك « في القرآن بإزاء معنيين :
الأول : بمعنى الشِّرك في العمل؛ كهذه الآية.
الثاني : بمعنى العَدْل؛ قال تعالى :﴿ واعبدوا الله وَلاَ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً ﴾ [ النساء : ٣٦ ]. أي : ولا تعدلوا به شيئاً.

فصل في بيان الشرك الأصغر


قال - ﷺ - :»
أخْوَفُ مَا أخَافُ عَليْكُمُ الشِّركُ الأصْغَرُ، قَالُوا : وما الشِّركُ الأصغر؟ قال : الرِّياءُ «.
وقال - ﷺ - :»
إنَّ الله تَعالَى يَقُولُ : أنَا أغْنَى الشُّركاءِ عَنِ الشِّرْكِ، فَمنْ عَمِلَ عملاً أشْرَكَ فِيهِ غَيْرِي، فَأنَا مِنْهُ بَرِيءٌ، وهُوَ للَّذي عَمِلهُ «.


الصفحة التالية
Icon