الوجه الثالث : لو قدرنا إلهين فإما أن يتفقا أو يختلفا، فإن اتفقا على الشيء الواحد فذلك الواحد مقدور لهما ومراد لهما فيلزم وقوعه بهما وهو محال، وإن اختلفا فإما أن يقع المرادان أو لا يقع واحد منهما، أو يقع أحدهما دون الآخر والكل محال، فثبت أن الفساد لازم على كل التقديرات.
وذكروا وجوهاً أخر عقلية وفي هذا كفاية.
ثم إنه تعالى نزه نفسه فقال :﴿ فَسُبْحَانَ الله رَبِّ العرش عَمَّا يَصِفُونَ ﴾ أي : عما يصفه به المشركون من الشرك والولد.
فإن قيل : أي فائدة لقوله تعالى :﴿ رَبِّ العرش عَمَّا يَصِفُونَ ﴾.
فالجواب : أن هذه المناظرة وقعت مع عبدة الأصنام، وهي أنه كيف يجوز للعاقل أن يجعل الجماد الذي لا يعقل ولا يحس شريكاً في الإلهية لخالق العرش العظيم وموجد السموات والأرضين.
قوله :﴿ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ﴾ اعلم أن أهل السنة استدلوا على أنه تعالى لا يسأل عما يفعل بأمور :
أحدها : أنه لو كان كل شيء معللاً بعلة كانت تلك العلة معللة بعلة أخرى ولزم التسلسل، فلا بد في قطع التسلسل من الانتهاء إلى ما يكون غنياً عن العلة، وأولى الأشياء بذلك ذات الله تعالى، وصفاته مبرأة من الافتقار إلى المبدع المخصص، فكذا فاعليته يجب أن يجب أن تكون مقدسة عن الاستناد إلى الموجب والمؤثر.
وثانيها : أن فاعليته لو كانت معللة بعلة لكانت تلك العلة إما أن تكون واجبة ممكنة، فإن كانت واجبة لزم من وجوبها وجوب كونها فاعلاً، وحينئذ يكون موجباً بالذات لا فاعلاً باختيار. وإن كانت ممكنة كانت تلك العلة فعلاً لله تعالى فيفتقر فاعليته لتلك العلة إلى علة أخرى ولزم التسلسل وهو محال.
وثالثها : أن علة فاعلية الله تعالى للعالم إن كانت قديمة لزم أن تكون فاعليته للعالم قديمة، فيلزم قدم العالم وإن كانت محدثة افتقرت إلى علة أخرى ولزم التسلسل.
ورابعها : أنه إن فعل فعلاً لغرض فإما أن يكون متمكناً من تحصيل ذلك الغرض بدون تلك الواسطة، أو لا يكون متمكناً منه.