وقيل : بما تحبون وما تكرهون لكي يشكر على المنح ويصبر على المحن، فيعظم ثوابه إذا قام بما يلزم. وإنما سمي ذلك ابتلاء وهو عالم بما يكون من أعمال العالمين قبل وجودهم لأنه في صورة الاختبار. قوله :« فِتْنَةً » في نصبه ثلاثة أوجه :
أحدها : أنه مفعول من أجله.
الثاني : أنه مصدر في موضع الحال، أي فاتنين.
الثالث : أنه مصدر من معنى العامل لا من لفظه، لأن الابتلاء فتنة، فكأنه قيل : نفتنكم فتنة. ثم قال :« وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ » أي : إلى حكمه ومحاسبته ومجازاته بيّن بذلك بطلان قولهم في نفي البعث والمعاد. وقرأ العامة « ترجعون » بتاء الخطاب مبنياً للمفعول. وغيرهم بياء الغيبة على الالتفات.
قوله :﴿ وَإِذَا رَآكَ الذين كفروا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلاَّ هُزُواً ﴾ المعنى : ما يتخذونك إلا هزواً، وهذا رجوع إلى تهجين كفرهم. قال السدي ومقاتل :« نزلت في أبي جهل قرية النبي - ﷺ - وكان أبو سفيان مع أبي جهل، لأبي سفيان : هذا نبيّ عبد مناف، فقال أبو سفيان : وما تنكر أن يكون نبياً في بني عبد مناف. فسمع رسول الله - ﷺ - قولهما فقال لأبي جهل » ما أراك تنتهي حتى ينزل بك ما نزل بعمك الوليد بن المغيرة، وأما أنت يا أبا سفيان فإنما قلت ما قلته رحمة « فنزلت هذه الآية. فوله :» إنْ يَتَّخِذونَك « » إنْ « هنا نافية، وهي وما في حيزها جواب الشرط بإذا. و » إذا « مخالفة لأدوات الشرط في ذلك، فإن أدوات الشرط متى أجيبت ب ( إن ) النافية أو ب ( ما ) النافية وجب الإتيان بالفاء تقول : إن أتيتني فإن أهنتك، أو فما أهنتك، وتقول : إذا أتيتني ما أهنتك بغير فاء يدل له قوله تعالى :﴿ وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ مَّا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ﴾ [ الجاثية : ٢٥ ] و » اتخذ « هنا متعد لاثنين و » هُزُواً « هو الثاني إما على حذف مضاف، وإما على الوصف بالمصدر مبالغة، وإما على وقوعه موقع اسم المفعول.
وفي جواب »
إذَا « قولان :
أحدهما : أنه »
إِنْ « النافية وقد تقدم.
والثاني : أنه محذوف، وهو القول الذي قد حكي به الجملة الاستفهامية في قوله ﴿ أهذا الذي يَذْكُرُ آلِهَتَكُمْ ﴾ إذ التقدير : وإذا رآك الذين كفروا يقولون أهذا الذي، وتكون الجملة المنفية معترضة بين الشرط وبين جوابه المقدر.
قوله :﴿ وَهُمْ بِذِكْرِ الرحمن هُمْ كَافِرُونَ ﴾ »
هُمْ « الأولى مبتدأ مخبر عنه ب » كَافِرُونَ «، و » بِذِكْرِ « متعلق بالخبر، والتقدير : وهم كافرون بذكر، و » هُمْ « الثانية تأكيد للأول تأكيداً لفظياً، فوقع الفصل بين العامل ومعموله بالمؤكد، وبين المؤكد والمؤكد بالمعمول.


الصفحة التالية
Icon