قوله تعالى :﴿ قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم ﴾ الآية لما بين أن الكفار في الآخرة ﴿ لاَ يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النار ﴾ بسائر ما وصفهم به أتبعه بأنهم في الدنيا أيضاً لولا أن الله تعالى يحرسهم ويحفظهم لما بقوا في السلاكة، فقال لرسوله : طقُلْ « لهؤلاء الكفار الذين يستهزئون ويغترون بما هم عليه ﴿ مَن يَكْلَؤُكُم بالليل والنهار ﴾ وهذا كقول الرجل لمن حصل في قبضته ولا مخلص له منه : من ينصرك مني؟ وهل لك مخلص؟
والكلاءة : الحفظ، أي يحفظكم بالليل والنهار ﴿ مِنَ الرحمن ﴾ إن نزل بكم عذابه. يقال : كَلأَهُ الله يَكْلَؤُهُ كِلاَءَةٌ بالكسر كذا ضبطه الجوهري فهو كالئ ومكلوء.
قال ابن هرمة :
واكْتَلأْتُ منه : احترست، ومنه سُمِّيَ النبات كلأ، لأنَّ به تقوم بنية البهائم وتحرس. ويقال : بلغ الله بك أكلأ العمر. والمُكَلأُ موضع يحفظ فيه السفن. وفي الحديث :» نَهَى عَنْ بَيْعِ الكَالِئ بَالكَالِئ « أي : بيع الدين بالدين كأنَّ كُلاًّ من رب الدينين بكلأ الآخر أي : يراقبه.٣٧١٧- إنَّ سُلَيْمَى وَاللهُ يَكْلَؤُهَا ضَنَّتْ بِشَيءٍ مَا كَانَ يَزْرَؤُهَا
( وقال ابن عباس : المعنى : مَنْ يمنعكم من عذاب الرحمن.
وقرأ الزهري وابن القعقاع » يَكْلُوكُمْ « بضمة خفية دون همز.
وحكى الكسائي والفراء » يَكْلَوْكُمْ « بفتح اللام وسكون الواو.
قال شهاب الدين : ولم أعرفها قراءة. وهو قريب من لغة من يخفف أكلت الكلأ على الكلو وقفاً إلا أنه أجرى الوصل مجرى الوقف ).
قوله :» مِنَ الرَّحمنِ « متعلق ب » يَكْلَؤُكُمْ « على حذف مضاف أي من أمر الرحمن أو بأسه كقوله :﴿ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ الله ﴾ [ الرعد : ١١ ]. » وبِالَّيْلِ « بمعنى في الليل، وإنما ذكر الليل والنهار، لأن كل واحد من الوقتين آفات تختص به، والمعنى : من بحفظكم بالليل إذا نمتم وبالنهار إذا تصرفتم في معاشكم.
وخص ها هنا اسم الرحمن بالذكر تلقيناً للجواب حتى يقول العاقل أنت لكالئ يا إلهنا لكل الخلائق برحمتك كما في قوله :﴿ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الكريم ﴾ [ الانفطار : ٦ ]. فخص اسم الكريم تلقيناً. قوله :» بَلْ هُمْ « إضراب عما تضمنه الكلام الأول من النفي، إذ التقدير : ليس لهم كالئ ولا مانع غير الرحمن. والمراد ب » ذِكْرِ رَبِّهِمْ « القرآن ومواعظ الله » مُعْرِضُونَ « لا يتأملون في شيء منها ليعرفوا أنه لا كالئ لهم سواه، ويتركوا عبادة الأصنام التي لا تحفظهم ولا تنعم عليهم.
قوله :﴿ أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ ﴾ » أَمْ « منقطعة، أي بل ألهم؟ فالميم صلة والمعنى : ألهم آلهة تمنعهم، وقد تقدم ما فيها.
وقوله :» من دُونِنَا « فيه وجهان :
أحدهما : أنه متعلق ب » تَمْنَعُهُمْ « قبل، والمعنى : ألهم آلهة تجعلهم في منعة وعز، وإلى هذا ذهب الحوفي.