وعلى هذا القول في كيفية وزن الأعمال طريقان :
أحدهما : أن توزن صحائف الأعمال.
والثاني : أن يجعل في كفة الحسنات جواهر بيض مشرقة، وفي كفة السيئات جواهر سود مظلمة فإن قيل : أهل القيامة إمّا أن يكونوا عالمين بكونه - تعالى- عادلاً غير ظالم أو لا يعلمون ذلك. فإن علموا كان مجرد حكمه كافياً في معرفة أنَّ الغالب هو الحسنات أو السيئات فلا قائدة في وضع الميزان. وإن لم يعلموا ذلك لم تحصل الفائدة في وزن الصحائف، لاحتمال أنه جعل إحدى الصحيفتين أثقل أو أخف ظلماً، فلا فائدة في وضع الميزان على كلا التقديرين.
والجواب : قال ابن الخطيب : أما على قولنا ﴿ لاَ يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ ﴾ [ الأنبياء : ٢٣ ] وأيضاً ففيه ظهور حال الولي من العدو في مجمع الخلائق، فيكون لأحد القبيلين في ذلك أعظم السرور والأخرى أعظم الغم، ويكون ذلك بمنزلة نشر الصحف وغيره. وإذا ثبت ذلك فالدليل على وجود الموازين الحقيقة أن حمل لفظ الميزان على مجرد العدل مجاز وصرف اللفظ عن الحقيقة إلى المجاز من غير دليل غير جائز لا سيما وقد جاءت الأحاديث الكثيرة بالأسانيد الصحيحة في ذلك.
قوله :﴿ وَإِن كَانَ مِثْقَالَ ﴾ قرأ نافع هنا وفي لقمان برفع « مِثْقَال » على أن « كَانَ » تامة، أي : وإنْ وجد مثقال. والباقون بالنصب على أنها ناقصة واسمها مضمر، أي : وإنْ كان العمل. و « مِنْ خَرْدَلٍ » صفة ل « حَبَّةٍ ». وقرأ العامة « أَتَيْنَا » من الإتيان بقصر الهمزة، وفيه أوجه :
أصحها : أنَّه ( فَاعَلْنَا ) من المواتاة وهي المجازاة والمكافأة، والمعنى : جازينا بها، ولذلك تعدى بالباء.
الثاني : أنَّها ( مفاعلة ) من الإتيان بمعنى المجازاة والمكافأة، لأنهم أتوه بالأعمال وأتاهم بالجزاء، قاله الزمخشري.
الثالث : أنه أفعل من الإيتاء، كذا توهم وهو غلط. قال ابن عطية : ولو كان آتينا : أعطينا لما تَعَدَّتْ بحرف جر، وَيُوهِنُ هذه لقراءة أنَّ إبدال الواو المفتوحة همزة ليس بمعروف، وإنما يُعْرَفُ ذلك في المضمومة والمكسورة يعني : أنه كان من حق هذا القارئ أن يقرأ « وَأَتَيْنا » مثل وأعطينا، لأنها من المواتاة على الصحيح، فأبدل هذا القارئ الواو المفتوحة همزة وهو قليل ومنه أحد وأناة.
قال أبو البقاء : ويُقْرَأُ بالمد بمعنى جَازَيْنَا بها، فهو يَقْرُبُ من معنى أعطينا، لأنَّ الجزاء إعطاء، وليس منقولاً من أتينا، لأن ذلك لم يُنْقَلْ عنهم.
وقرأ حُمَيْدُ « أثَبْنَا » من الثواب، والضمير في « بِهَا » عائد على المثقال وأنّث ضميره لإضافته لمؤنث، فهو كقوله :

٣٧٢٣- كَمَا شَرِقَتْ صَدْرُ القَنَاةِ مِنَ الدَّمِ في اكتسابه التأنيث بالإضافة.

فصل


زعم الجبائي أنَّ من استحق مائة جزء من العقاب فأتى بطاعة يستحق بها خمسين جزءاً من الثواب فهذا الأقل ينحبط بالأكثر، فيبقى الأكثر كما كان.


الصفحة التالية
Icon