قوله تعالى :﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى وَهَارُونَ الفرقان ﴾ الآية. لما أمر رسوله أن يقول ﴿ إِنَّمَآ أُنذِرُكُم بالوحي ﴾ [ الأنبياء : ٤٥ ] أتبعه بأنه عادة الله في الأنبياء قبله. ﴿ وَلَقَدْ آتَيْنَا موسى وَهَارُونَ الفرقان ﴾ يعني : الكتاب المفرق بين الحق والباطل، وهو التوراة، وكان « ضِيَاءٌ » لغاية وضوحه يتوصل به إلى طرق الهدى في معرفة الشرائع، وكان « ذكرى » أي موعظة أو ذكر ما يحتاجون إليه في دينهم ومصالحهم.
وقال ابن زيد : الفرقان النصر على الأعداء كقوله تعالى :﴿ وَمَآ أَنزَلْنَا على عَبْدِنَا يَوْمَ الفرقان ﴾ [ الأنفال : ٤١ ] يعني : يوم بدر حين فرق بين الحق والباطل. وهو مروي عن ابن عباس، ولأنه أدخل الواو في قوله « وَضِيَاءٌ » أي : آتينا موسى النصر والضياء، وهو التوراة، لأنَّ العطف يقتضي المغايرة. وقيل : المراد بالفرقان : البرهان الذي فرق به بين الحق والباطل. وقال الضحاك : الفرقان هو فلق البحر.
وقال محمد بن كعب : الفرقان الخروج عن الشبهات. ومن قال المراد بالفرقان : التوراة قال : الواو في قوله :« وَضِيَاءٌ » تكون من عطف الصفات، والمراد به شيء واحد، أي : آتيناه الجامع بين هذه الأشياء. وقيل : الواو زائدة. قال أبو البقاء ف « ضِيَاءٌ » حال على هذا. وإنما خصص الذكر بالمتقين كما في قوله « هُدىً للمتّقين ».
قوله :« الذين يَخْشَوْنَ » في محله ثلاثة أوجه :( البحر على النعت أو البدل أو البيان، والنصب والرفع على القطع ). وفي معنى « الغَيْب » وجوه :
الأول :« يَخْشَوْنَ » أي : يخافون ربهم ولم يروه فيأتمرون بأوامره، وينتهون عن نواهيه.
وثانيها : يخشون ربهم وهم غائبون عن الآخرة وأحكامها.
وثالثها : يخشون ربهم في الخلوات إذا غابوا عن الناس ﴿ وَهُمْ مِّنَ الساعة مُشْفِقُونَ ﴾ خائفون. ثم قال : ولما أنزلت عليه القرآن المنزل عليك وهو معنى قوله :﴿ وهذا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ ﴾ يعني : القرآن « ذِكْرٌ » لمن تذكر به « مُبَارَكٌ » يتبرك به، ويطلب منه الخير، « أَفَأنْتُمْ » يا أهل مكة « لَهُ مُنْكِرُونَ » جاحدون، استفهام إنكار وتوبيخ، والمعنى : لا إنكار في إنزاله وفي عجائب ما فيه.