وأما الفعل فقوله :﴿ وتالله لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ ﴾ لأمكرن بها. قرأ العامة « تَاللهِ » بالتاء المثناة فوق. وقرأ معاذ بن جبل، وأحمد بن حنبل بالباء الموحدة. قال الزمخشري : فإن قُلْتَ « ما الفرق بين التاء فيها زيادة معنى وهو التعجب كأنه تعجب من تسهل الكيد على يده وتأتيه. أما قوله : إنَّ الباء في الأصل فيدل على ذلك تصرفها في الباب بخلاف الواو والتاء، وإن كان السُّهيلي قد ردَّ كون الواو بدلاً منها.
وقال أبو حيان : النظر يقتضي أن كلاً منهما أصل. وأما قوله : التعجب فنصوص النحويين أنه يجوز فيها التعجب وعدمه، وإنما يلزم ذلك مع اللام كقوله :

٣٧٢٧- للهِ يَبْقَى عَلَى الأَيَّامِ ذُو حِيَدٍ بِمُشْمَخِرٍّ بِهِ الظَّيانُ والآسُ
و » بَعْدُ « منصوب ب » لأكِيدَنَّ «، و » مُدْبِرِينَ « حال مؤكدة، لأن » تُوَلُّوا « يفهم معناها. وقرأ العامة » تُوَلُّوا « بضم التاء مضارع ( وَلَّى ) مشدداً.
وقرأ عيسى بن عمر »
تَوَلَّوا « بفتحهما مضارع ( تَوَلَّى )، والأصل : تتولوا فحذف إحدى التاءين إمَّا الأولى على رأي هشام، وإمَّا الثانية على رأي البصريين وينصرها قراءة الجميع ﴿ فَتَوَلَّوْاْ عَنْهُ مُدْبِرِينَ ﴾، ولم يقرأ أحد » تُوَلُّوا « وهي قياس قراءة الناس هنا، وعلى كلتا القراءتين فلام الكلمة محذوفة، وهو الياء، لأنه من » وَلَّى «، ومتعلق هذا الفعل محذوف تقديره : تولوا إلى عيدكم ونحوه. فإن قيل : الكيد ضرر الغير بحيث لا يشعر به ولا يتأتى ذلك في الأصنام فكيف قال :﴿ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ ﴾ ؟
فالجواب : توسعاً لما كان عندهم أنَّ الضرر يجوز عليها، وقيل : المراد لأكيدنكم في أصنامكم لأنه بذلك الفعل أنزل بهم الغم.
قوله :»
فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً «. قرأ العامة » جُذَاذاً « بضم الجيم، والكسائي بكسرها وابن عباس وأبو نهيك وأبو السمال بفتحها. قال قطرب : هي لغاتها كلها مصدر، فلا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث والظاهر أنَّ المضموم اسم للشيء المكسر كالحطام والرفات والفتات بمعنى الشيء المحطم والمفتت. وقال اليزيدي : المضموم جمع جُذَاذَة بالضم نحو زجاج في زجاجة، والمكسور جمع جَذِيذ نحو كِرَام في كَرِيم. وقال بعضهم : المفتوح مصدر بمعنى المفعول أي : مَجْذُوذِينَ. ويجوز أن يكون على حذف مضاف أي : ذوات جذاذ.
وقيل : المضموم جمع جُذَاذَة بالضم، والمكسور جمع جِذَاذَة بالكسر، والمفتوح مصدر وقرأ ابن وثاب »
جُذُذاً « بضمتين دون ألف بين الذالين، وهو جمع جَذِيذ كقَلِيب وقُلُبٍ. وقرئ بضم الجيم وفتح الذال، وفيها وجهان :
أحدهما : أن يكون أصلها ضمتين، وإنما خففت بإبدال الضمة فتحة نحو سُرَر وذُلَل في جمع سرير وذليل، وهي لغة لبني كلب.
والثاني : أنه جمع جذَّة نحو قبب في قبة ودرر في درة.


الصفحة التالية
Icon