الرابع : أن يكونَ الفاعل ضمير « فَتًى ».
الخامس : أني كون الفاعل ضمير « إبْرَاهِيم ».
وهذان الوجهان يؤيدان أنَّ المراد بحذف الفاعل إنَّمَا هو الإضمار.
السادس : أن « فَعَلَهُ » ليس فعلاً، بل الفاء حرف عطف دخلت على « عَلَّ » التي أصلها « لَعَلَّ » حرف ترج وحذف اللام الأولى ثابت، فصار اللفظ « فَعَلَّهُ » أي : فَلعلّه، ثم حذف اللام الأولى وخففت الثانية. وهذا يعزى للفراء وهو مرغوب عنه. وقد استدل على مذهبه بقراءة ابن السميفع « فَعَلَّهُ » بتشديد اللام، وهي قراءة شاذة لا يرجع بالقراءة المشهورة إليها، وكأن الذي حملهم على هذا خفاء وجه صدور هذا الكلام من النبي -عليه السلام-.
فصل
اعلم أن القوم لمّا قالوا له ﴿ أَأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنَا ياإبراهيم ﴾ طلبوا منه الاعتراف بذلك، ليقدموا على إيذائه، فقلب الأمر عليهم وقال :﴿ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا ﴾، وكان قد علق الفأس في رقبته، وأراد بذلك إقامة الحجة عليهم وإظهار جهلهم في عبادة الأوثان، وقال :﴿ فَاسْأَلُوهُمْ إِن كَانُواْ يِنْطِقُونَ ﴾ واعلم أنّ للناس هاهنا قولان :
الأول : قول كافة المحققين، وهو أنّ قول إبراهيم -عليه السلام- ﴿ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هذا ﴾ من قبيل التعريض، وهو من وجوه :
أحدها : أنًّ قصد إبراهيم -عليه السلام- تقرير الفعل لنفسه على أسلوب تعريضيّ، وليس قصده نسبة الفعل إلى الصنم، وهذا كما لو قال صاحبك وقد كتبت كتاباً بخط رشيق، وأنت شهير بحسن الخط، ولا يقدر هو إلا على خرمشة فاسدة : أأنت كتبت هذا، فقلت له : بل كتبته أنت، وكأن قصدك بهذا تقريره لك كع الاستهزاء لا نفيه عنك وإثباته للأمي أو المخرمش، لأن إثباته والأمر دائر بينهما للعاجز منهما استهزاء وإثبات للقادر.
وثانيها : أنَّ إبراهيم -عليه السلام- غاظته تلك الأصنام حين أبصرها مصطفة، وكان غيظه من كبيرها أشد لما رأى من زيادة تعظيمهم له، فأسند الفعل إليه لأنه هو السبب في استهانته لها وحطمه لها، والفعل كما يسند إلى مباشره يسند إلى الحال عليه.
وثالثها : أن يكون حكاية لما يلزم عن مذهبهم كأنه قال لهم : ما تنكرون أن يفعله كبيرهم، فإنَّ حق من يُعْبَد، ويُدْعَى إلهاً أن يقدر على هذا أو أشد منه ذكر هذه الأوجه الثلاثة الزمخشري.
ورابعها : ما تقدم عن الكسائي أنه اكن يقف عند قوله « كَبِيرُهُمْ » ثم يبتدئ فيقول :﴿ هذا فَاسْأَلُوهُمْ ﴾. والمعنى : بل فعله كبيرهم، وعنى نفسه، لأنّ الإنسان أكبر من كل صنم، وأنه كناية عن غير مذكور، أي : فعله من فعله و « كَبِيرهُمْ » ابتداء كلام.