و « عَلَى رُؤُوسِهِم » حال، أي : كائنين على رؤوسهم. ويجوز أن يتعلق بنفس الفعل. والنَّكْسُ والتَّنْكِيسُ : القلب، يقال : نَكَسَ رَأْسَهُ ونَكَّسَهُ مخففاً ومشدداً. اي : طأطأه حتى صار أعلاه أسفله.
وقرأ أبو حيوة وابن أبي عبلة وابن الجارود وابن مقسم :« نُكِّسُوا » بالتشديد وقد تقدم أنه لغة في المخفف، فليس التشديد لتعدية ولا لتكثير.
وقرأ رضوان بن عبد المعبود :« نَكَسُوا » مخففاً مبنياً للفاعل، وعلى هذا فالمفعول محذوف تقديره : نكسوا أنفسهم على رؤوسهم.
فصل
قال المفسرون : أجرى اله الحق على ألسنتهم في القول الأول ثم أدركتهم الشقاوة فهو معنى قوله :﴿ ثُمَّ نُكِسُواْ على رُءُوسِهِمْ ﴾ أي : ردوا إلى الكفر بعد أن أقروا على أنفسهم بالظلم. وقيل : قلبوا على رؤوسهم حقيقة بفرط إطراقهم خجلاً وانكساراً وانخزالاً مما بهتهم إبراهيم، فلما أحاروا جواباً إلا ما هو حجة لإبراهيم -عليه السلام- حين جادلهم- فقالوا :﴿ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هؤلاء يَنطِقُونَ ﴾ فأقروا بهذه الحجة التي لحقتهم.
قوله :﴿ مَا هؤلاء يَنطِقُونَ ﴾ هذه الجملة جاب قسم محذوف، والقسم وجوابه معمولان لقول مضمر، وذلك القول المضمر حال من مرفوع « نُكِسُوا » أي : نكسوا قائلين : والله لقد علمت.
قوله :﴿ قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً ﴾ يجوز أن تكون « مَا » حجازية فيكون « هَؤُلاَءِ » و « يَنْطِقُونَ » في محل نصب خبرها.
أو تميمية فلا عمل لها. والجملة المنفية بأسرها سادة مسد المفعولين إن كانت « عَلِمْت » على بابها، ومسد واحد إن كانت عرفانية.
قوله :﴿ قَالَ أَفَتَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله مَا لاَ يَنفَعُكُمْ شَيْئاً ﴾ إن عبدتموه، ﴿ وَلاَ يَضُرُّكُمْ ﴾ إن تركتم عبادته. « أفٍّ لَكُمْ » أي : نتناً وقذراً لكم ﴿ وَلِمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله ﴾ تقدم الكلام على « أُفٍّ » في سورة سبحان. قال الزمخشري :« أُفٍّ » صوت إذا صوت به دل على أنّ صاحبه متضجر، وأن إبراهيم -عليه السلام- أضجره ما رأى من ثباتهم على عبادتها بعد وضوح الحق وانقطاع عذرهم وزهوق الباطل فتأفف.
واللام في « لَكُم » وفي « لِمَا » لام التبيين، أي : لتأفيف لَكُمْ لا لغيركم، وهي نظير قوله :« هَيْتَ لَكَ ». ثم قال :« أَفَلاَ تَعْقِلُونَ » أي : أليس لكم عقل تعقلون هذا وتعرفونه؟