فقال الله تعالى :﴿ يانار كُونِي بَرْداً وَسَلاَمَا على إِبْرَاهِيمَ ﴾. قال كعب الأحبار جعل كل شيء يطفئ عنه النار إلا الوزغ فإنه كان ينفخ النار. « وروت أم شريك أنَّ رسول الله - ﷺ - أمر بقتل الوزغ وقال :» كان ينفخ علىإبراهيم « وقال السُّدِّيّ : القائل ﴿ كُونِي بَرْداً وَسَلاَمَا ﴾ هو جبريل. وقال ابن عباس في رواية مجاهد : لو لم يتبع بردها سلاماً لمات إبراهيم من بردها، قال : ولم يبق يومئذ نار إلا طفئت، ولو لم يقل » عَلَى إِبْرَاهِيم « بقيت ذات برد أبداً. قال السدي : فأخذت الملائكة بضبعي إبراهيم وأقعدوه على الأرض فإذا عين ماء عذب وورد أحمر ونرجس، ولم تحرق النار منه لا وثاقه. وقال المنهال بن عمرو : أخبرت أنّ إبراهيم -عليه السلام- لما ألقي في النار كان فيها إما أربعين يوماً أو خمسين يوماً، وقال : ما كنت أطيب عيشاً مني إذا كنت فيها. قال ابن يسار : وبعث الله تعالى ملك الظل في صورة إبراهيم فقعد إلى جنب إبراهيم يؤنسه، وأتى جبريل بقميص من حرير الجنة وَطِنْفسَة فألبسه القميص وأجلسه على الطنفسة وقعد معه يحدثه وقال : يا إبراهيم إنَّ ربك يقول : أما علمت أن النار لا تضر أحبابي.
ثم نظر نمروذ من صرح له وأشرف على إبراهيم فرآه جالساً في روضة ورأى الملك قاعداً إلى جنبه وما حوله نار تحرق، فناداه نمروذ : يا إبراهيم هل تستطيع أن تخرج منها؟
قال : نعم، قم فاخرج، فقام يمشي حتى خرج منها.
قال له نمروذ : من الرجل الذي رأيته معك في صورتك قاعداً إلى جنبك؟ قال : ذاك ملك الظل أرسله ربي ليؤنسني، فقال له نمروذ : إني مقرِّب إلى إلهك قرباناً لما رأيت من قدرته وعزته فيما صنع بك، وإنِّي ذابح له أربعة آلاف بقرة، فقال إبراهيم -عليه السلام- لا يقبل الله نمنك ما دمت على دينك هذا، قال نمروذ : لا أستطيع ترك ملكي ولكن سوف أذبحها له فذبحها ثم كف عن إبراهيم.
روي أن إبراهيم -عليه السلام- ألقي في النار وهو ابن ست عشرة سنة. وإنما اختاروا المعاقبة بالنار، لأنها أقوى العقوبات. وقيل : روي أن هاران أبا لوط قال لهم : إن النار لا تحرقه، لأنه سحر العقوبات. وقيل : روي أن هاران أبا لوط قال لهم : إن النار لا نحرقه، لأنه سحر النار، وبكن اجعلوه على شيء وأوقدوا تحته، ففعلوا، فطارت شرارة في لحية أبي لوط فأحرقته.
قوله :»
بَرْداً « أي : ذات برد. والظاهر في » سَلاَماً « أنه نسق على » بَرْداً « فيكن خبراً عن » كوني «. وجوَّز بعضهم أن ينتصب على المصدر المقصود به التحية في العرف وقد رُدَّ هذا بأنه لو قصد ذلك لكان الرفع فيه أولى، نحو قول إبراهيم :» سَلاَمٌ «، وهذا غير لازم، لأنه لا يجوز أن يأتي القرآن على الفصيح والأفصح، ويدل على ذلك أنه جاء مقصوداً، والمقصود به التحية نحو قول الملائكة :» قَالُوا سَلاَماً «.


الصفحة التالية
Icon