وتقدَّم إيضاحُ هذا.
وقرأ عثمانُ بنُ عفَّان، وزيدُ بن ثابت، وابن عبَّاس، وسعيد بن جبير، وسعيد بن العاص، ويحيى بنُ يعمر، وعليُّ بنُ الحسبن في آخرين :« خَفَّتِ » بفتحِ الخاءِ، والفاءِ مشددةً، وتاء تأنيثٍ، كُسرتْ؛ لالتقاءِ السَّاكنين، و « المَوالِي » فاعلٌ به؛ بمعنى : دَرَجُوا، وانقرضُوا بالموتِ.
قوله :« مِنْ وَرَائِي » هذا متعلِّقٌ في قراءة الجمهور بما تضمَّنَهُ الموالي من معنى الفعلِ، أي : الذين يلون الأمْرَ بعدي، ولا يتعلَّق ب « خَفَّتِ » بالتشديد، فيتعلَّق يُرَادَ ب « وَرَائِي » معنى : خَلْفِي، وبَعْدِي، وأمَّا في قراءةِ « خَفَّتِْ » بالتشديد، فيتعلَّق الظَّرْفُ بنفس الفعل، ويكونُ « وَرَائِي » بمعنى قُدَّامي، والمعنى : أنهم خفُّوا قدَّامهُ، ودرجُوا، ولم يبق منهم من به تقوٍّ واعتضادٌ، ذكر هذين المعنيين الزمخشريُّ.
والمَوالِي : بنُو العمِّ يدلُّ على ذلك تفسيرُ الشَّاعر لهم بذلك في قوله :[ البسيط ]

٣٥٨٠- مَهْلاً، بَنِي عمِّنَا؛ مَهْلاً موالينَا لا تَنْبُشُوا بَيْننا ما كان مَدْفُوناً
وقال آخر :[ الوافر ]
٣٥٨١- ومَوْلى قد دفعتُ الضَّيْمَ عَنْهُ وقَدْ أمْسَى بمنزلةِ المَضِيمِ
وهو قولُ الأصمِّ.
وقال مجاهدٌ : العَصَبَة.
وقال أبو صالحٍ : الكلالة.
وقال ابنُ عبَّاس والحسن والكلبيُّ : الورثة.
وعن أبي مسلمٍ : المولى يرادُ به النَّاصرُ، وابن العمِّ، والممالك، والصَّاحب، وهو هنا من يقُوم بميراثه مقام الولد، والمختار، أنَّ المراد من الموالي الذين يخلفُون بعده، إما في السِّياسة، أو في المال، أو في القيام بأمر الدِّين؛ وهو يدلُّ على معنى القُرْبِ والدُّنوِّ، ويقالُ : وليته اليه ولْياً، أي : دَنَوتُ منهُ، وأوليْتُهُ إيَّاهُ، وكُل ممَّا يليكَ، وجلستُ ممَّا يليهِ، ومنهُ الوَلْيُ، وهو المطرُ الذي يلي الوسميَّ، والوليَّة : البرذعةُ [ الَّتي ] تلي ظهْر الدَّابَّة، ووليُّ اليتيم، ووليُّ القتيل؛ لأنَّ من تولَّى أمراً، فقد قرُبَ منه.
وقوله تعالى :﴿ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المسجد الحرام ﴾ [ البقرة : ١٤٤ ] من قولهم : ولاه بركنه، أي جعله ما يليه، وأما ولَّى عنِّي، إذا أدبر، فهو من باب تثقيل الحشو للسلْب، وقولهم : فلان أولى من فلان، أي : أحق؛ أفعل التفضيل من الوالي أو الولي، كالأدنى، والأقرب من الدَّاني، والقريب، وفيه معنى القرب أيضاً؛ لأنَّ من كان أحقَّ بالشيء، كان أقرب إليه، والمولى : اسمٌ لموضعِ الولي، مالمرمى والمبنى : اسمٌ لموضعِ الرَّمي والبناءِ.
والجمهورُ على « وَرَائِي » بالمدِّ، وقرأ ابنُ كثير -في رواية عنه- « وَرَايَ » بالقصر، ولا يبعدُ ذلك عنه، فإنه قد قصر ﴿ شُرَكَايَ ﴾ [ النحل : ٢٧ ] في النَّحل؛ كما تقدَّم، وسيأتي أنَّه قرأ ﴿ أَن رَّآهُ استغنى ﴾ في العلق [ الآية : ٧ ] ؛ كأنه كان يُؤْثِرُ القصْر على المدِّ؛ لخفَّته، ولكنَّه عند البصريين لا يجوزُ سعةً.
قوله :﴿ وَكَانَتِ امرأتي عَاقِراً ﴾ أي : لا تَلِدُ، والعَقْرُ في البدن : الجُرح، وعقرتُ الفرس بالسَّيف، ضربتُ قوائِمهُ.
قوله « مِنْ لدُنْكَ » يجوز أن يتعلق ب « هَب » ويجوزُ أن يتعلَّق بمحذوفٍ على أنَّه حال من « وليًّا » لأنه في الأصل صفةٌ للنكِرةِ، فقُدِّم عليها.


الصفحة التالية
Icon