قال ابن الخطيب : وهذا الكلام ساقط من وجوه :
أحدها : لم قلتم إنّ الجن من الأجسام، ولم يجوز وجود محدث ليس بمتحيز ولا قائم بالمتحيز، ويكون الجن منهم؟ فإن قلت : لو كان الأمر كذلك لكان مثلاً للباري تعالى. قلت : هذا ضعيف لأنَّ الاشتراك في اللوازم الثبوتية لا يدل على الاشتراك في اللزومات، فكيف اللوازم السلبية.
سلمنا أنه جسم لكن لم يجوز حصول القدرة على هذه الأعمال الشاقة في الجسم اللطيف، وكلامه بناء على البنية شرط وليس في يده إلا الاستقراء الضعيف سلمنا أنه لا بُدّ من تكثيف أجسامهم، لكن لم قلتم : بأنه لا بثدّ من ردها إلى الخلقة الأولى بعد موت سليمان.
وقوله : بأنه يفضي إلى التلبيس، قلنا : التلبيس غير لازم، لأن النبي إذا جعل ذلك معجزة لنفسه فللمدعوّ أن يقول : لم لا يجوز أن يقال : إن قوة أجسامهم كانت معجزة لنبي ىخر. ومع قيام هذا الاحتمال لا يتمكن المتنبي من الاستدلال به. واعلم أن أجسام هذا العالم إما كثيفة أو لطيفة. أما الكثيف فأكثف الأجسام الحجارة والحديد، وقد جعلهما الله تعالى معجزة لداود -عليه السلام- قوة النار مع كون الإصبع في نهاية اللطافة، فأي بعد أنْ يجعل التراب اليابس جسماً حيوانياً. وألطف الأشياء في هذا العالم الهواء والنار، وقد جعلها الله -تعالى- معجزة لسليمان- عليه السلام، أما الهواء فقوله :﴿ فَسَخَّرْنَا لَهُ الريح ﴾ [ ص : ٣٦ ]. وأما النار فلأنَّ الشياطين مخلوقين من النار، وقد سخرهم الله -تعالى- له، ثم كان يأمرهم بالغوص في المياه، والنار تطفأ بالماء، ولم تكن تضرهم وذلك يدل على قدرته على إظهار الضد من الضد.


الصفحة التالية
Icon