وقيل : إنما باعت، لأن إبليس تمثل لقومه في صورة بشر، وقال : لئن تركتم أيوب في قريتكم فإني أخاف أن يعدي إليكم ما به من العلة فخرجوه إلى باب البلد، ثم قال لهم : إنَّ امرأته تدخل في بيوتكم وتعمل وتمس زوجها، فأقول : إنَّه يتعدى إليكم علته، فحينئذ لم يستعملها أحد فباعت ضفيرتها.
والثالث : حين قالت له امرأته ما قالت. وفي رواية : قيل : سقطت دودة من فخذه فردها إلى موضعها، وقال : قد جعلني الله طعمة لك، فعضته عضة شديدة. فقال :﴿ مَسَّنِيَ الضر ﴾. وأوحى الله إليه : لولا أني جعلت تحت كل شعرة صبراً لما صبرت.
فصل
طعنت المعتزلة في هذه القصة من وجوه :
الأول : قال الجبائي : ذهب بعض الجهال إلى أن ما كان به من المرض كان فعلاً للشيطان سلطه عليه لقوله تعالى عنه ﴿ مَسَّنِيَ الشيطان بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ ﴾ [ ص : ٤١ ]. وهذا جهل أما أولاً : فإنه لو قدر على إحداث الأمراض والأسقام وضدها من العافية لتهيأ له فعل الأجسام، ومن هذا حاله يكون إلهاً. وأما ثانياً : فلأن الله تعالى أخبر عنه وعن جنوده بأن قال :﴿ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فاستجبتم لِي ﴾ [ إبراهيم : ٢٢ ] فالواجب تصديق خبر الله -تعالى- دون الرجوع إلى وهب بن منبه. وهذا اعتراض ضعيف، لأن المذكور في الحكاية أنَّ الشيطان نفخ في منخره فوقعت الحكة فيه. فلم قلتم : إنَّ القادر على النفخة التي تولد منها هذه الحكة لا بدَّ وأن يكون قادراً على خلق الأجسام، وهذا إلا محض التحكم. وأما التمسك بالنصّ فضعيف، لأنه إنَّما يقدم على الفعل مع علمه أنهل و أقدم عليه لما منعه الله تعالى. وهذه الحالة لم تحصل إلا في حق أيوب -عليه السلام- من أنه استأذن الله فأذن له، وإن كان كذلك لم يكن بين ذلك النص وبين هذه الحكاية مناقضة.
وثانيها : قالوا : ما روي أنه -عليه السلام- لم يسأل إلا عند أمور مخصوصة. فبعيد، لأنّ الثابت في العقل أنه يحسن من المرء أن يسأل ذلك ربه ويفزع إليه كما يحسن منه المداواة، وإذا جاز أن يسأل ربه عند الغم بما يراه من أهله جاز أيضاً أن يسأل ربه من قبل نفسه. فإن قيل : أفلا يجوزون أنه تعالى تعبده بأن لا يسأل الكشف إلا في آخر أمره. قلنا : يجوز ذلك بأن يعلمه أن إنزال ذلك بعد مدة مخصوصة من مصالحه ومصالح غيره لا محالة، فعلم عليه السلام أنه لا وجه للمسألة في هذا الأمر الخاص، فإذا قرب الوقت جاز أن يسأل ذلك من حيث يجوز أن يدومم ويجوز أن ينقطع.