﴿ أَن لاَّ إله إِلاَّ أَنتَ سُبْحَانَكَ ﴾ نزه ربه عن كل النقائض، ومنها العجز، وهذا يدلّ على أنه ما كان مراده من قوله :﴿ فَظَنَّ أَن لَّن نَّقْدِرَ عَلَيْهِ ﴾ أنه ظن العجز، وإنما قال :« سُبْحَانَكَ »، لأنّ معناه سبحاتنك أن تفعل جوراً أو شهوة الانتقام أو عجزاً عن تخليصي عن هذا الحبس، بل فعلته بحق الإلهية وبمقتضى الحكمة ﴿ إِنِّي كُنتُ مِنَ الظالمين ﴾ أي : ظلمت نفسي بفراري من قومي بغير إذنك كأنه قال : كنت من الظالمين، وأنا الان من التائبين النادمين فاكشف عني المحنة.
روى أنس عن النبي - ﷺ - « مَا من مكروب يدعو بهذا الدعاء إلا استجيب له ».
قوله :﴿ فاستجبنا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الغم ﴾ أي : من غمه بسبب كونه في بطن الحوت وبسبب خطيئته.
قوله :﴿ وكذلك نُنجِي المؤمنين ﴾ : الكاف نعت لمصدر أو حال من ضمير المصدر أي : كما أنجينا يونس من كرب الحوت إذ دعانا، أو كإنجائنا يونس كذلك ننجي المؤمنين من كربهم إذا استغاثوا بنا. وقرأ العامة « نُنْجِي » بضم النون الأولى وسكون الثانية من أنجي ينجي. وقرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم « نُجِّي » بتشديد الجيم وسكون الياء وفيها أوجه :
أحسنها : أن يكون الأصل « نًنْجِي » بضم الأولى وفتح الثانية وتشديد الجيم فاستثقل توالي مثلين، فحذفت الثانية كما حذفت في قوله « مَا نُنَزِّلُ المَلاَئِكَةَ » في قراءة من قرأه كما تقدم، وكما حذفت التاء الثانية في قوله :« تَذَكَّرَونَ » و « تَظَاهَرُونَ » وبابه. ولكن أبو البقاء استضعف هذا التوجيه بوجهين فقال :
أحدهما : أنَّ النون الثانية أصل، وهي فاء الكلمة، فحذفها يبعد جداً.
والثاني : أنَّ حركتها غير حركة النون الأولى، ولا يستثقل الجمع بينهما بخلاف « تظاهرون » ألا ترى أنك لو قلت : تتحامى المظالم لم يَسُغْ حذف الثانية.
أما كون الثانية أصلاً فلا أثر له في منع الحذف، ألا ترى أن النحويين اختلفوا في إقامة واستقامة، أي الألفين المحذوفة من أنَّ الأولى هي الأصل، لأنها عين الكلمة وأما اختلاف الحركة فلا أثر له أيضاً، لأن الاستثقال باتحاد لفظ الحرفين على أي حركة كانا.
الوجه الثاني : أنّ « نُجِّي » فعل ماض مبني للمفعول، وإنما سكنت لامه تخفيفاً، كما سكنت في قوله :« مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا » في قراءة شاذّة تقدمت، قالوا : وإذا كان الماضي الصحيح قد سكن نخفيفاً فالمعتل أولى، ومنه :
٣٧٣٢- إنَّمَا شِعْرِي قَنْدٌ | قَدْ خُلِطَ بِجُلْجُلاَنِ |
أحدهما : تسكين آخر الفعل الماضي.