قوله تعالى :﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصالحات وَهُوَ مُؤْمِنٌ ﴾ الآية. لمَّا ذَكَرَ أَمْرَ الأُمَّةِ وتفرقهم، وأنهم راجعون إلى حيث لا أمر إلا له أتبع ذلك بقوله :﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصالحات وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلاَ كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ ﴾ لا نجحد ولا نبطل سعيه.
والكفران مصدر بمعنى الكفر، قال :
٣٧٣٣- رَأَيْتُ أُنَاسَاً لاَ تَنَامُ خُدُودُهُمْ | وَخَدِّي وَلاَ كُفْرَانَ لِلَّهِ نَائِمُ |
فالكفران مثل في حرمان الثواب، والشكر مثل في إعطائه.
فقوله :« فَلاَ كُفْرَانَ » المراد نفي الجنس للمبالغة، أنَّ نفي الماهية يستلزم نفي جميع أفرادها. ثم قال :﴿ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ ﴾ أي : لسعيه كاتبون إمَّا في أم الكتاب، أو في الصحف التي تعرض يوم القيامة، والمراد من ذلك ترغيب العباد في الطاعات.
قوله تعالى :﴿ وَحَرَامٌ على قَرْيَةٍ ﴾ قرأ الأخوان وأبو بكر ورويت عن أبي عمرو « وَحِزْمُ » بكسر الحاء وسكون الراء وهما لغتان كالحِلّ والحَلاَل.
وقرأ ابن عباس وعكرمة « وحَرِمَ » بكسر الحاء وسكون الراء وفتح الميم على أنه فعل ماض وروي عنهما أيضاً وعن أبي العالية بفتح الحاء والميم وضم الراء بزنة كَرُم، وهو فعل ماض أيضاً. ( وروي عن ابن عباس أيضاً فتح الجميع وهو فعل ماض أيضاً ). وعن اليماني بضم الحاء وكسر الراء ( مشددة وفتح الميم ماضياً مبنياً للمفعول. وروى عكرمة بفتح الحاء وكسر الراء ) وتنوين الميم.
فمن جعله اسماً ففي رفعه وجهان :
أحدهما : أنه مبتدأ، وفي الخبر حينئذ ثلاثة أوجه :
أحدها : قوله :« لا يَرْجِعُونَ » وفي ذلك حينئذ أربعة تأويلات :
التأويل الأول : أن « لا » زائدة، والمعنى : وممتنع على قرية قدرنا إهلاكها لكفرهم رجوعهم إلى الإيمان إلى ان تقوم الساعة. وممن ذهب إلى زيادتها أبو عمرو مستشهداً عليه بقوله تعالى :﴿ مَا مَنَعَكَ أَلاَّ تَسْجُدَ ﴾ [ الأعراف : ١٢ ] يعني أحد القولين.
التأويل الثاني : أنها غير زائدة، وأن المعنى : أنهم غير راجعين عن معصيتهم وكفرهم.
التأويل الثالث : أنَّ الحرام قد يراد به الواجب، ويدل عليه قوله تعالى :﴿ قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ ﴾ [ الأنعام : ١٥١ ] وترك الشرك ويدل عليه قول الخنساء :
٣٧٤٣- وَإِنَّ حَرَاماً لا أَرَى الدَّهْرَ بَاكِيَاً | عَلَى شَجْوَةِ إلاَّ بَكَيْتُ عَلَى صَخْر |