فصل
الحكمة في أنهم بآلهتهم أمور :
أحدها : أنَّهم لا يزالون بمقارنتهم في زيادة غم وحسرة لأنهم ما وقعوا في ذلك العذاب إلا بسببهم، والنظر إلى وجه العدوّ باب من العذاب.
وثانيها : أنّهم قَدَّرُوا أن يشفعوا لهم في الآخرة، فإذا وجدوا الأمر على عكس ما قَدَّرُوا لم يكن شيء أبغض إليهم منهم.
وثالثها : أنَّ إلقاءها في النار يجري مجرى الاستهزاء بها.
ورابعها : قيل ما كان منها حجراً أو حديداً يحمى فيعذب بعبادها، وما كان خشباً يجعل جمرة يعذب بها صاحبها.
قوله تعالى :﴿ لَوْ كَانَ هؤلاء آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا ﴾ اعلم أنّ قوله :﴿ وَمَا تَعْبُدُونَ ﴾ بالأصنام أليق، لدخول لفظ « مَا » وهذا الكلام بالشياطين أليق، لقوله :« هَؤُلاَءِ » ويحتمل أن يريد الشياطين والأصنام وغلب العقلاء ونبه الله - تعالى - على أنه مَنْ يرمي في النار لا يمكن أن يكون ذكرها لنفسه أو لغيره، فإن ذكرها لنفسه فلا فائدة فيه، لأنه كان عالماً بأنها ليست آلهة، وإن ذكرها لغيره فإما أن ي١كرها لمن يُصَدق بنبوته، ( أو ذكرها لمن يُكَذّب بنبوته ) فإن ذكرها لِمَنْ يُصَدّق بنبوته فلا حاجة إلى هذه الحجة، لأنّ كل مَنْ صدق بنبوته لم يقل بالإهية هذه الأصنام، وإن ذكرها لمن كذب بنبوته فذلك المكذب لا يسلم أنّ تلك الآلهة يردون النار، فكان ذكر هذه الحجة لا فائدة فيه كيف كان.
وأيضاً فالقائلون بإلاهيتها لم يعتقدوا إلا كونها تماثيل الكواكب أو صورة الشفعاء، وذلك لا يمنع من دخولها النار. وأجيب عن ذلك بأن المفسرين قالوا : المعنى لو كان هؤلاء - يعني الأصنام- آلهة على الحقيقة ما وردوها، أي : ما دخل عابدوها النار.
قوله :« آلِهَةٌ » العامة على النصب خبراً ل « كَانَ ». وقرأ طلحة بالرفع وتخريجها كتخريج قوله :
٣٧٤٠- إذَا مُتَّ كَانَ النَّاسُ صِنْفَانِ... ففيها ضمير الشأن.
قوله :﴿ وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ ﴾ يعني : العابدين والمعبودين، وهو تفسير لقوله :﴿ إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله ﴾.
وقوله :﴿ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ ﴾ قال الحسن : الزفير هو اللهيب، أي : يرتفعون بسبب لهب النار حتى إذا ارتفعوا وأرادوا الخروج ضربوا بمقامع الحديد، فهوَوا إلى أسفلها سبعين خريفاً. قال الخليل : الزفير أن يملأ الرجل صدره غماً ثم يتنفس.
قال أبو مسلم : قوله :« لَهُمْ » عام لكل مُعَذب، فيقول : لهم زفير من شدة ما ينالهم والضمير في قوله :« وَهُمْ فِيهَا » يرجع إلى المعبودين أي : لا يسمعون صراخهم وشكواهم، ومعناه أنهم لا يغيثونهم، وشبهه :( سمع الله لمن حمده، أي : أجاب الله دعاه.
وقوله :﴿ وَهُمْ فِيهَا لاَ يَسْمَعُونَ ﴾ على قول أبي مسلم محمول على الأنام.
ومن حمله على الكفار فيحتمل ثلاثة أوجه :
أحدها : أنَّ الكفار يحشرون صماً كما يحشرون عمياً زيداة في عذابهم.
والثاني : لا يسمعون ما ينفعهم، لأنهم إنما يسمعون أصوات المعذبين، أو كلام مَنْ يتولى تعذيبهم من الملائكة.
والثالث : قال ابن مسعود - رضي الله عنه- : إنَّ الكفار يجعلون في توابيت ( من نار، ثم يجعل تلك التوابيت في توابيت أخر، ثم تلك التوابيت في توابيت ) أخر من نار عليها مسامير من نار، فلذلك لا يسمعون شيئاً، ولا يرى أحد منهم أنَّ أحداً يعذب غيره. والأول ضعيف، لأنَّ أهل النار سمعون كلام أهل الجنة، فلذلك يستغيثون بهم على ما ذكره الله تعالى في سورة الأعراف.